تأخرت الولايات المتحدة الأميركية في إعلان "لائحة عارٍ" تضم ثلاثة عشر ضابطاً سورياً ارتكبوا جرائم إبادة ضد معتقلين في سجون نظام بشار الأسد، التي لم تعد هناك إمكانية لحصر عددها أو مواقعها، إذ إن ما بقي تحت سيطرة هذا النظام من "القطر العربي السوري"!! أصبح كله سجناً كبيراً غير معروف أعداد نزلائه تحديداً، وحيث إن الداخل إليه يصبح مفقوداً والخارج منه يصبح مولوداً، وهنا وللإنصاف هذه الوضعية هي التي كانت سائدة منذ انقلاب "الوالد" حافظ الأسد عام 1970.

إن المفترض أن كل الذين تهمهم مثل هذه الأمور، ويتابعون الأوضاع في سورية على مدى الـ45 عاماً الماضية لابد أنهم يعرفون أن حافظ الأسد، بعدما قام بانقلابه الشهير على رفاقه في قيادة حزب البعث الحاكم في مثل هذا الشهر نوفمبر 1970، لم يكتف بعزلهم من مواقعهم، بل بادر إلى اعتقالهم بطريقة اعتقال المجرمين، ووضعهم في الزنازين الانفرادية في سجن المزة الشهير لسنوات طويلة، وإلى أن أفنوا أعمارهم وراء القضبان، ومن بين هؤلاء رئيس الدولة والأمين القومي العام للحزب الدكتور نور الدين الأتاسي، واللواء صلاح جديد، ورئيس الوزراء الأسبق يوسف زعين، ومن الأردن ضافي الجمعاني وحاكم الفايز، ومن لبنان من لايزال بعضهم نزلاء هذه الزنازين.

Ad

إنه اكتشاف متأخر جداً أن تعلن الولايات المتحدة الأميركية "لائحة العار"، التي تضم أسماء 13 ضابطاً معظمهم من منطقة بشار الأسد، وبعضهم من أقرب أقاربه، فالمفترض أن الأميركيين الأكثر معرفة بأن مئات الألوف من السوريين، من بينهم أطفال ونساء، تعرضوا ربما لأكثر مما تعرض له الذين ضمت أسماءهم "لائحة العار"، وفي سجون لكثرتها أصبحت بلا أسماء، وبلا عناوين، وتشير بعض المعلومات الشحيحة إلى أنها على مدى الأعوام الخمسة الأخيرة تحولت إلى "مسالخ" بشرية تقشعر لها الأبدان.

ما كان يجب أن تسكت الولايات المتحدة، ويسكت العالم، الذي دأب على رفع شعارات "حقوق الإنسان"، عن كل هذه الجرائم التي ارتكبها هذا النظام، إن في عهد الأب وإن في عهد الابن، وداخل سورية وخارجها... في لبنان تحديداً، والمعروف، وهذا أصبح مؤكداً ومثبتاً، أن مسلسل الاغتيالات شمل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وكمال جنبلاط ورياض طه وجورج حاوي وجبران تويني وسمير قصير... وغيرهم كثيرون، لكن أي إجراء جدي ودولي لم يتخذ حتى الآن بحق هذا النظام ورموزه.

لقد ارتكب هذا النظام، الذي لم يوفر حتى الذين عملوا "جلاوزة" عنده في لبنان، ومن بينهم غازي كنعان ورستم غزالة، مجازر على مدى الأعوام الماضية ومنذ انطلاق الثورة السورية في سجون لكثرتها أصبحت بلا أسماء وبلا عناوين، ولعل ما تجدر الإشارة إليه أن كل الجهات الدولية المعنية اطلعت على تلك الصور التي تقشعر لها الأبدان والتي تسربت من هذه السجون، والتي كان يجب أن تترتب عليها عقوبات كونية رادعة، بحيث يصبح كل مسؤول سوري مطلوباً ومطارداً من العدالة.

إن المطلوب ليس كشف النقاب عن المزيد من "لوائح العار" هذه، بل المحاسبة الفورية التي تردع القتلة والمجرمين عن ارتكاب المزيد من هذه الجرائم... إن المطلوب وضع أسماء المتورطين، وكل رموز هذا النظام وكبار المسؤولين فيه، في لوائح، كقتلة ومجرمين، ومطاردتهم في معظم دول العالم إن لم يكن كلها، وإلقاء القبض عليهم ليحاكموا كما حوكم النازيون، وكما حوكم القتلة من قادة يوغوسلافيا السابقة.