الأغلبية الصامتة: أنا لا أمنع ولكني أتجمل
كست وجهَه، المحتقن بنشوة السلطة الزائلة، حمرة زائدة في أطرافها زرقة مَن مات مخنوقاً، أخذ يصرخ باللهجة المحلية: "تبون تورطونا مع السعودية؟! تبون تخربون علاقتنا معها؟!"... كان ذلك هو مقدار فهم أحد المسؤولين الكبار، وهو يقلّب، بجهل، صفحات واحدة من الأجزاء الخمسة لرواية مدن الملح للكاتب الراحل عبدالرحمن منيف.ذلك المسؤول الذي أجبره منصبه على الدخول في عالم الكتب، أخذ الرأي والمشورة من مسؤول آخر لا يقل تقزماً عنه في الشأنين الثقافي والسياسي، فلو أنه كلّف نفسه عناء الاتصال بأهل الدراية لعرف تمام المعرفة أن أعمال عبدالرحمن منيف، الكاتب السعودي، تباع في المكتبات العامة، وتعرض في معرض الرياض الدولي للكتاب وعنه كتبَ وأصدر أكثر من كاتب سعودي ما يتناول أعمال منيف بالنقد والتحليل، ولكن كيف سيحصل ذلك والرغبة الجامحة في التصنع والمزايدة هي الغالبة على مَن يميل إلى المنع لمصلحة في الدنيا أو نيل المغفرة في الآخرة؟
إن المنع في هذا الزمان أمر لا ينفذ في الحقيقة، والكل يدري ذلك، والكل يدري أن الكتاب الورقي له كيان رقمي ينتظر "الداون لود" إذاً أين هي المشكلة؟ لماذا تستمر الرقابة رغم تكسر أدواتها؟ ومن المستفيد من استمرار وجودها بنفس الشكل والمبررات؟الجواب برأيي، وقد قلته من قبل في عدة مناسبات، أن المسألة كلها محصورة في سلسلة المجاملة الاجتماعية والدينية والسياسية، من المسؤول للقطب الذي يزعم أنه متضرر من الكتاب الفلاني، المسؤول يضمن البقاء في منصبه، والقطب يكسب الصيت وسط محيطه كحامي حمى الدين أو الطائفة أو المكون الاجتماعي الذي يمثله، بمعنى آخر: الكل يضحك على الكل، لأن الكل يعلم أن الكل قادر على الوصول إلى الكتاب الممنوع وبأيسر الطرق.في الختام: لم يخسر طرف في هذه المجاملات غير سمعة الكويت الثقافية والوعي الذي نزعم أننا سنواجه به الفكر المتطرف، ولكن هيهات، نحن نسير بوقود الجهل والتجهيل نحو محطات التشدد، ونحلم أن نحقق التسامح دون الانفتاح على الآراء والثقافات الأخرى.