ماذا سيحل بحلف شمال الأطلسي؟
ستخوض ميركل امتحاناً انتخابياً صعباً السنة المقبلة، مع اكتساب اليمين المتطرف تمثيلاً برلمانياً كبيراً، ولا شك أن عدداً من القادة الأوروبيين سيواجهون تفاعلات مماثلة، فهل ينجحون في تخطي اختبار مماثل، ويحاولون إقناع مواطنيهم بأن إنعاش «الناتو» يستحق الثمن الذي يطالب به عاقد الصفقات في واشنطن؟
في أغسطس الماضي، تساءل المرشح الرئاسي آنذاك دونالد ترامب: "أليس من المميز أن نتمكن من الاتفاق مع روسيا والتوصل إلى صفقة ما تتيح لنا القضاء على داعش بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي ودول تلك المنطقة؟"، ولكن في مناسبات أخرى، تخيل ترامب علانية نفسه طرفاً في مبادرة مختلفة مع حلف شمال الأطلسي (الناتو). في إطار هذا السيناريو، ندد ترامب بحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، معتبراً أنهم يلقون بعبئهم على الأميركيين، وعبّر عن رغبته في إرغامهم على قبول صفقة تفرض عليهم الاضطلاع بجزء أكبر بكثير من عبء التحالف الدفاعي.قد لا تبدو هاتان المبادرتان من النظرة الأولى متناقضتين، وقد يميل ترامب إلى المضي قدماً في كلتيهما ما إن يتسلم زمام السلطة، إلا أنه سيكتشف قريباً أنه لا يستطيع تحقيق الهدفين معاً، ومن المرجح أن تؤدي شراكته مع بوتين إلى إضعاف الناتو إلى حد كبير.
كي نحدد المخاطر المحتملة، لنفترض أن ترامب مضى قدماً في فكرة انضمامه إلى بوتين في حرب شاملة دعماً لحكم بشار الأسد المستبد في سورية، بما أن "سورية تحارب داعش، وعلينا التخلص من داعش"، على حد تعبيره.ولكن بينما تتواصل حربهما ضد أعداء الأسد أشهراً أو حتى سنوات، يعيد بوتين النظر في هذا التحسن الملحوظ في العلاقات، فيبدأ أولاً بالتخطيط للاستيلاء على دول البلطيق، على غرار ما قام به في أوكرانيا. وفي ظل سيناريو مماثل، تنفذ الأقليات الروسية المحلية في إستونيا ولاتفيا انتفاضة "عفوية" بدعم من جنود روس على الأرض يتدفقون عبر الحدود في عملية تخفٍّ فاشلة، وخلال تقييمه هذا التبدل الاستراتيجي العدائي، يدرك بوتين أن دول البلطيق تنتمي إلى الناتو، بخلاف أوكرانيا، ما يعني أن من الضروري تزويدها بالحماية بموجب المادة الخامسة من معاهدة الحلف.وفي وقت يراقب بوتين عملية التنديد عبر الأطلسي، سيميل بقوة إلى تكرار عملية الاستيلاء التي نفذها في أوكرانيا، ولكن بينما يشجّع الروس موجة الانتفاضات "العفوية" الأولى، سيصطدم ترامب فجأة بالواقع: هل يتخلى عن تحالفه مع بوتين في الشرق الأوسط ويدعم عملاً حاسماً يقوده "الناتو" للتصدي للخطر الروسي الذي يلوح في الأفق؟ لا يستطيع ترامب إرجاء الاختيار بين بوتين والناتو. لنفترض أن ترامب اختار "الناتو"، فهل من سبب يدفعنا إلى الاعتقاد أن الأوروبيين، الذين يعانون فيضاً من المشاكل، سيرضون بزيادة مساهماتهم الدفاعية بشكل كبير؟ستؤدي ميركل دوراً رئيساً في هذا الإطار، وبما أن ألمانيا محرّك القارة الاقتصادي، فعليها أن ترضى بحصة كبيرة من من هذه الزيادة في العبء الدفاعي، علاوة على ذلك، من مصلحتها الوطنية أن تبقى الجبهة الشرقية أبعد ما يكون إلى الشرق، وإذا انهار الناتو، فستُضطر ألمانيا إلى تعزيز استثماراتها العسكرية كثيراً في رد على تقدّم بوتين في أوروبا الشرقية.رغم ذلك، ستواجه ميركل صعوبة كبيرة في تأمين الدعم السياسي لصفقة منطقية مع ترامب. صحيح أنها دعمت أخيراً خططاً لتعزيز الاستثمار العسكري، إلا أنها ستلاقي صعوبة في الحفاظ على الدعم السياسي لهذه المبادرة. ستخوض ميركل امتحاناً انتخابياً صعباً السنة المقبلة مع اكتساب اليمين المتطرف تمثيلاً برلمانياً كبيراً للمرة الأولى في تاريخ ألمانيا المعاصر، ولا شك في أن عدداً من القادة الأوروبيين سيواجهون تفاعلات مماثلة، فهل ينجحون في تخطي اختبار مماثل ويحاولون إقناع مواطنيهم بأن إنعاش هذا الحلف عبر الأطلسي يستحق الثمن الذي يطالب به عاقد الصفقات الذي يروّج لنفسه في واشنطن؟لن نعرف الجواب ما لم يعتبر ترامب الصفقة الجديدة مع "الناتو" أولوية مهمة ويقايض بنجاحٍ تجديد الالتزام الأميركي بالدفاع عن حدود أوروبا الشرقية بالتزام أوروبي جديد بتحمل حصة منصفة من الكلفة، لا شك أن ترامب يكون واهماً إن ظن أنه يستطيع تحقيق الهدفين، محاولاً في الوقت عينه استعادة عظمة الولايات المتحدة بالتعاون مع بوتين.بروس أكرمان