تعيش إيران حالة من الارتباك، بسبب الغموض، الذي يحيط بمصير الاتفاق النووي، بعد أن وعد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بتمزيقه في حال فوزه بالرئاسة. وما يزيد في حالة عدم اليقين، هو مبادرة ترامب إلى ترشيح وتسمية عدد من الشخصيات المعادية لطهران في إدارته الجديدة، مثل وزير الدفاع جايمس ماتيس.

ويبدو أن حالة الارتباك هذه والضغوط التي تتسبب بها على حكومة الرئيس حسن روحاني في الدرجة الأولى، أضف إليها الأجواء المسمومة بين الأطراف الإيرانية قبل 6 أشهر من الانتخابات الرئاسية، بدأت تكشف حجم تردي الوضع الاقتصادي بسبب مراهنة الحكومة على العوائد المالية لتوقيع الاتفاق النووي، مما يعني أن تمزيق الاتفاق سيوصل إلى وضع اقتصادي أكثر انحداراً.

Ad

استدانة وإخفاء

في هذا الإطار، وبعد إعلان المصرف المركزي الإيراني الأسبوع الماضي أن حكومة روحاني قامت باستدانة 354000 مليار ريال إيراني أو ما يعادل عشرة مليارات دولار منه خلال النصف الأول من العام الإيراني (الذي يبدأ في 21 مارس كل عام) الحالي لسد ديونها ومصاريفها الجارية بنسبة حوالي 137 في المائة أكثر من كل العام الماضي، كشف السيد طهماسب مظاهري الرئيس السابق للمصرف المركزي لـ"الجريدة"، أن "نسبة استقراض الحكومة تزيد عن هذا العدد بأضعاف ولكن الحكومة تجبر المصرف المركزي والمصارف الأخرى الحكومية على التلاعب بالأرقام لئلا تظهر عجزاً كبيراً في الموازنة و المصاريف والديون".

ويقول مظاهري، وهو عضو في ديوان المحاسبات، إن الديوان اكتشف أن المصرف المركزي أجبر مصرفي "ملت" و "صادرات" على إخفاء ديون الحكومة النقدية لهم خلال نشر محضر ميزانيتهم وتغطيتها بمستحقات لم يتم استيفاؤها حتى الآن، لئلا تنعكس هذه الديون في تقرير ديون الحكومة، وقام الديوان برفع تقرير عن هذا التخلف.

تلاعب بسعر الصرف

ويضيف مظاهري أن حكومة روحاني تلاعبت في سعر صرف العملة الصعبة تجاه ديون الحكومة للمصارف أيضاً، حيث قامت بمحاسبة الديون السابقة على أساس الريال الإيراني، عندما تم استيفاء المبالغ من المصارف في حين تلقت الحكومة هذه المبالغ بالعملة الصعبة وعليها ردها للمصارف بالعملة الصعبة.

ويوضح هذا الخبير المصرفي أن سعر صرف الريال الإيراني تجاه الدولار كان يعادل مثلا 10 آلاف ريال منذ 4 سنوات في حين إن سعر الصرف يعادل اليوم 36500 ريال للدولار، وبحساب بسيط تتحول جميع ديون الحكومة للمصارف في حينه إلى أقل من الثلث على الورق لكن عملياً تكون المصارف خسرت ما يزيد على 30 مليار دولار أميركي من ودائعها بالعملة الصعبة.

وكانت حكومة الرئيس روحاني قد استدانت مبالغ كبيرة من العملة الصعبة من المصارف خلال السنوات الماضية على أمل إعادتها بعد رفع العقوبات المصرفية عن الأموال المجمدة لإيران في المصارف الأجنبية التي تقدر بحوالي 180 مليار دولار، لكن الأمور لم تجرِ كما كان مخططاً لها والولايات المتحدة لم ترفع العقوبات عن تبادل الدولار الأميركي، ما وضع حكومة روحاني في شروط اقتصادية صعبة جداً وأجبرها على الاستقراض من المصارف لتغطية المصاريف الجارية.

ضغوط برلمانية

في سياق متصل، أكد أحد أعضاء لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) لـ"الجريدة"، إن رئيس المجلس علي لاريجاني أرسل قبل أيام رسالة خاصة إلى روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف تتضمن تقريراً أعدته لجنة الأمن القومي و السياسة الخارجية في مجلس الشورى عن الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة بين إيران ودول أخرىن وعن ظروف إيران إذا ما خرجت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة.

وطالب لاريجاني، الذي تربطه علاقة خاصة بروحاني، الحكومة بتوضيح بعض النقاط في التقرير لتعديله قبل نشره بشكل علني لئلا يؤثر على شعبية الحكومة مخالفاً بذلك الأصول.

ثغرة في الاتفاق

ويشير التقرير الذي اطلعت عليه "الجريدة" إلى أن إيران قامت بتنفيذ جميع التزاماتها بحسب الاتفاق النووي، بل إن حكومة روحاني سارعت في تنفيذ بعض بنود الاتفاق حتى قبل أن ينفذ الطرف الآخر التزاماته، وهذا ما أعطى ثغرة تمكن الطرف الأميركي من التنصل بسهولة من الاتفاق.

وبحسب التقرير، فإن الحكومة قامت بحملة إعلامية كبيرة لتسليط الضوء على الصفقات التي قامت بعقدها مع الدول الأوروبية، لكن بعد مرور أكثر من عام من توقيع الاتفاق النووي لم تنفذ أي صفقة وجميعها بقي حبراً على ورق.

وأشار التقرير إلى أن الاتفاق النووي لم يؤد إلى زيادة الدول، التي تتعامل مع إيران أو رفع العقوبات الاقتصادية والمصرفية عملياً عنها، وحتى إن الدول التي كانت تتعامل مع إيران قبل توقيع الاتفاق مثل الصين والهند وروسيا وكوريا الجنوبية، ما زالت تواجه ضغوطات من قبل واشنطن للحد من تعاملاتها.

ولفت التقرير إلى أن جميع المؤسسات والشركات الأوروبية، التي وقعت على اتفاقات تنتظر موقف الإدارة الأميركية الجديدة، وجميعها تتذرع بعدم إمكانية التعامل المصرفي مع طهران كي تتنصل من تنفيذ الاتفاقيات الموقعة.

مواجهة ترامب

وطالبت لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى ظريف بإعطاء تقرير عن التعاملات الاقتصادية، التي تم تنفيذها وغابت عن نظر اللجنة، وعن موقف إيران حيال التغييرات المحتملة، التي يمكن أن تطرأ على سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران بعد انتخاب ترامب، والسياسة المحتملة للحكومة لمواجهة الإدارة الأميركية الجديدة.

وأكد العضو في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية لـ"الجريدة"، أن اللجنة تعتقد أن وزارة الخارجية لم تقم بالضغط الكافي على الأوروبيين للخروج من تحت مظلة الولايات المتحدة في تعاملهم مع إيران، وأنه على الخارجية الإيرانية أن تقوم بالضغط على الأوروبيين لبدء بتنفيذ اتفاقياتهم، وفتح قنوات التعامل المصرفي، قبل أن يدخل ترامب إلى البيت الأبيض لفرض أمر واقع على الرئيس الجديد، وإلا فعلى إيران نسيان الاتفاق والدعاء كي يقوم ترامب بتمزيقه لئلا تبقى طهران مقيدة وملزمة بتنفيذه.

في الإطار نفسه، أكدت مصادر في الخارجية أن ظريف أصدر تعميماً قبل أيام على جميع السفراء في بلدان الاتحاد الأوروبي بالعمل على ترغيب هذه الدول بالبدء بتنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية وفتح قنوات تبادل مصرفية مباشرة قبل تنصيب ترامب في 20 يناير المقبل.

وكان رئيس المصرف المركزي الإيراني ولي الله سيف، قال قبل أيام، إنه متفائل بانتخاب ترامب لأنه تاجر والتجار يفهمون المصالح التجارية لبلادهم أكثر من السياسيين.

وشدد سيف على أنه لا يمكن التعويل على الشعارات الانتخابية مشيراً إلى أن جميع الرؤساء السابقين في الولايات المتحدة قاموا برفع شعارات خلال الحملات الانتخابيةن ولم ينفذوا أي شيء منها عندما دخلوا البيت الأبيض.

ومنذ انتخاب ترامب يواصل الريال الإيراني التراجع مقابل الدولار الأميركي.