يسرد فرزاد كوهان قصص هؤلاء المهاجرين من الشرق الأوسط في لوحات تعتمد على نص مكتوب وفق طراز خط الآلات الكاتبة الأميركية، مركزاً بذلك على دور الموثّق، ويترجم ذلك في اللوحات المتمحورة حول الموسيقى، والتي تعيد إلى الذاكرة الأسلوب الذي تكتب به الرسائل والخطابات وتتم مشاركتها سراً أو الاحتفاظ بها للذكرى.

حصل كوهان على القصص المدوّنة من مواقع التواصل الاجتماعي، طالباً من أصدقائه وزملائه ومعارفه أن يشاركوا اللحظات المحورية التي تعبّر عن الهجرة بالنسبة إلى كلّ منهم. كان من ضمن نحو 20 شخصاً ممن تجاوب مع دعوته، مخرجون، وفنانون وباحثون أكاديميون. عبّر البعض من خلال مشاركة ذكريات جزئية عن مغادرة الوطن في عمر الطفولة، بينما قدّم آخرون روايات مفجعة عن الهروب من بلادهم بسبب الخوف من الاعتقال لأسباب سياسية أو بسبب نشوب الحرب.

Ad

في لوحاته، عمد الرسام التشكيلي فرزاد كوهان إلى تفصيل الخصائص الشكلية لكل عمل لتتناسب مع كل واحدة من تلك الروايات، فاستخدم طبقات رقيقة من الوسائط الفنية فوق سطح قماش اللوحة، مبتكراً خلفية محسوسة مفعمة باللون. أما النص فوضعه لاحقاً فوق اللوحة باستخدام تقنية «الاستنسل»، ما يوحي بالطبيعة العابرة والحازمة في الوقت ذاته لكتابات الغرافيتي التي ينفذها فنانون مجهولون، إذ يسرد أصدقاء كوهان تجاربهم من دون الحاجة إلى الإفصاح عن هوياتهم، هكذا تمثل شخوصه الخفية التي تنتمي إلى أجيال متعددة وبيئات مختلفة، عيّنة تعكس التزايد المستمر الحاصل اليوم في أعداد المهاجرين.

يسرد كوهان تعقيدات إعادة الاستقرار في بلد أجنبي بإسهاب من خلال الشكل، عبر استخدام مواد زيتية ومائية تنفصل عند تماسها ببعضها البعض، فعبر محاولته الجمع بين هاتين المادتين، يقدّم استعارة دقيقة للصعوبات التي يواجهها الملايين ممن يتوجّب عليهم الاستقرار وإعادة بناء مفهوم الوطن في بيئة جديدة.

هذه الفكرة عن الوطن تشكل بطرائق شتى جزءاً كبيراً من الذات، وتُعدّ جوهرية في بناء هوية المرء. من خلال سرد تجارب حية وواقعية، يرسم كوهان لوحات تحاكي السير الذاتية وتعبّر عن مأساة الانتزاع من الجذور.

وسائط متنوعة

في غوصه في قضايا الحب، والهجرة والهوية، يحاول كوهان أن يدمج ضمنها وسائط متنوعة المصادر وقطعاً عشوائية، مستلهما من تاريخه الشخصي وبيئته المحيطة، مركزاً على الشكل، ما يتيح لمراحل صناعة الفن المتلاحقة أن تحاكي تجربة الشتات.

يعدّ النص أساسياً في لوحات كوهان، فهو يستخدم الكتابة الفارسية والعربية لإضافة عناصر روائية. على سبيل المثال، في سلسلة «رسائل حب» وهي مجموعة أعمال نُفذت على الورق، يصف كوهان لحظات الشوق والرغبة عن طريق اعترافات شعريّة مكتوبة في القسم الأسفل في لوحاته، وتتماهى الأبيات مع الدرجات اللونية والأسطح المركبة لبعض الأعمال، حيث يستخدم التجريد لتفسير المشاعر المختلفة التي تميّز الحب الرومانسي.

إلى جانب أعماله في الرسم والنحت، أنجز كوهان أعمال تجريب تندرج ضمن فن التركيب، بالإضافة إلى أعمال على الورق يغنيها عبر الإضافة إليها بشكل يومي.

نبذة
فرزاد كوهان من مواليد طهران عام 1967 يقيم في لوس أنجلس في ولاية كاليفورنيا، حيث بدأ تدريبه كنحات، أقام معارض فردية وشارك في معارض جماعية في دبي ولوس أنجلس وأمستردام.