وقف حسين صالح بوجه مسوّد وخوذة متسخة بالسخام يرقب حقول النفط في بلدته في شمال العراق وهي تحترق ويتصاعد منها دخان أسود كثيف يحجب الشمس.

وبدأ عشرات من العمال والمهندسين من شركة نفط الشمال العراقية يرتدون سترات متسخة ويغطون وجوههم بالأوشحة تشغيل شاحنات نقل الماء والجرافات في بداية يوم العمل.

Ad

ومهمتهم هي إطفاء الحريق في بئر أخرى وتغطيتها. وأضرم متشددون من الدولة الإسلامية «داعش» النار في آبار النفط عندما أخرجتهم قوات عراقية مدعومة من الولايات المتحدة من القيارة في أغسطس.

وقال صالح البالغ من العمر 57 عاماً، وهو واقف على مقربة من النيران بحيث يشعر بحرارتها «أعمل بقطاع النفط منذ 30 عاماً ولم أر شيئا مثل ذلك».

وأضاف «داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) وضع متفجرات على رؤوس الآبار وفجرها».

يعمل الرجال ضمن فرق كبيرة للحد من الحرائق واحتواء النيران ثم تغطية البئر، ويقول صالح، إن كل حريق قد يستغرق أياماً لإخماده. ومنذ أكتوبر تمت تغطية سبع أو ثماني آبار على الأقل، ومازالت الحرائق تشتعل في أكثر من عشر آبار أخرى.

لكن عملهم ينطوي على خطورة. فإضافة إلى الحرائق وإمكانية استنشاق دخان سام مازال يجري تطهير المنطقة من الألغام والمتفجرات التي زرعها التنظيم المتشدد.

ويصور حرق حقول النفط في القيارة بوضوح الدمار الذي خلفه التنظيم المتشدد في شمال العراق عندما تقدمت قوات عراقية مدعومة من تحالف تقوده الولايات المتحدة لإخراج المتشددين من معقلهم في مدينة الموصل المجاورة.

وتشير تقديرات الحكومة الأميركية إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية كسب مئات الملايين من الدولارات من خلال بيع النفط في السوق السوداء من الحقول التي استولى عليها في العراق وسورية، عندما اجتاح مساحات كبيرة من أراضي البلدين في عام 2014.

تهريب النفط

لكن إيراداته من مبيعات النفط انهارت تماماً تقريباً منذ أن فقد التنظيم السيطرة على مجموعة من حقول النفط في عامي 2015 و2016. وفي القيارة بدأت مهمة التطهير لتوها ولكنها تسير ببطء وتواجه تحديات.

وقال مراقب العمال أحمد هدايت «54 عاماً»: نستخدم الماء والتراب وكل شيء لدينا للسيطرة على النيران. لدينا فريق كبير. ربما يعمل عدد يصل إلى 150 شخصاً على بئر واحدة».

وأضاف: «ينقل التراب بالجرافات ويلقى على النفط المحترق حول البئر حتى نتمكن من الاقتراب منه وعندما نقترب بما يكفي نقوم بتغطيته».

وأمس الأول، كان الرجال يستعدون لتغطية بئر أخرى عندما وقع انفجار بالقرب منها حيث رشوا الماء على النار مما حول الدخان الأسود إلى أبيض.

وبينما كانوا يفعلون ذلك وقع تفجير قرب البئر نفذه خبراء مفرقعات عراقيون لعبوة ناسفة زرعها المتشددون.

وأوضح صالح: «كانت هناك ألغام مزروعة حول البئر».

وأضاف: «أصيب شرطي قبل خمسة أيام، خرج بقدمه عن الطريق فانفجر لغم. الأمر مخيف بعض الشيء فأنت لا تعرف أين ستجدها». وقال صباح علي، وهو عامل آخر من بلدة أخرى منتجة للنفط شمال غربي الموصل، إنه قلق على صحته من طول فترة تعرضه للدخان.

وقال «إنه عمل صعب، الحرائق ضخمة وتستنشق كميات كبيرة من الدخان.» وتابع «أحدهم شعر باختناق بسببها وعالجه فريقنا الطبي». لكن الرجال الذين لم يجد بعضهم أي فرصة عمل منذ عامين تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية، يقولون إنهم سعداء لتمكنهم من الحصول على أجر مرة أخرى إضافة إلى بدل مخاطر يصل إلى نحو 50 دولاراً يومياً.

وقال صالح إنه شعر أيضاً بالواجب تجاه بلدته وبلده.

وأضاف «على الناس أن يعملوا من أجل خير بلادهم. داعش دمرت البلاد ودمرت الشعب ودمرت الإسلام».