الفوضى التي سادت أسواق السندات في أعقاب فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية ومخاوف المستثمرين من سياساته المؤيدة للنمو تعني حدوث اختبار مصداقية في رأي حاكم بنك اليابان هاروهيكو كورودا، ويرجع ذلك الى موقف بنك اليابان الأخير الذي عبر فيه عن سياسة نقدية غير تقليدية في اجتماعه في شهر سبتمبر الماضي. وتشكل النقطة الرئيسية بالنسبة الى المستثمرين الفكرة القائلة إن بنك اليابان قد وعد، كما يبدو، بشراء كميات كافية من سندات الحكومة اليابانية بحيث تظل أرباح السندات لعشر سنوات عند نقطة الصفر بشكل تقريبي.

وتعتبر محاولة تحديد الأسعار من قبل البنك المركزي تطوراً استثنائياً كما أنها لم تحصل على الاهتمام الذي تستحقه، وفي حقيقة الأمر فإن تلك الخطوة كانت التطور الأكثر أهمية في الأسواق المالية خلال السنة الحالية، ومع عدم قدرة حاكم بنك اليابان على المضي بقدر أكبر نحو معدلات فائدة سلبية بسبب القيود السياسية فقد قرر حاكم بنك اليابان المركزي رفع معدلات الفائدة في الأجل الطويل.

Ad

وكانت أرباح سندات الحكومة اليابانية لعشر سنوات تبلغ ناقص 0.06 في المئة قبل الاعلان الذي صدر عن بنك اليابان على الرغم من أن ذلك يمثل ارتفاعاً عن الأرباح السلبية التي وصلت الى 0.29 في المئة في أواخر شهر يوليو الماضي، وقد ارتفعت الأرباح منذ ذلك الوقت الى حوالي 0.03 في المئة، ومن خلال تبني هذه السياسة الأخيرة اعتمد كورودا واحداً من الاقتراحات التي طرحها بن برنانكه في تدوين على مواقع التواصل الاجتماعي في شهري مارس وأبريل أي أن استهداف الأرباح يرفع منحى عوائدها.

والنقطة التي يتعين على المستثمرين التركيز عليها هي أن الالتزام الذي صدر عن بنك اليابان ازاء تحديد سعر الأموال لمدة عشر سنوات يشكل ارتهاناً ضخماً للثروة.

وفي عالم يهبط فيه سعر السندات الحكومية في الأسواق يبدو أن بنك اليابان قد التزم بتحقيق توسع غير محدود في الميزانية لابقاء أرباح العشر سنوات عند نقطة الصفر، وينطوي هذا على ميل نحو المضاربة بالنسبة الى الين الياباني نظراً لأن هذه الخطوة تنطوي على احتمال نفاد السندات الحكومية في بنك اليابان من أجل الشراء في الأسواق الثانوية وهو ما يشير اليه الانهيار الأخير في حجم التداول.

وقد هبط التداول الشهري في سندات الحكومية اليابانية من قبل شركات الاقراض والتأمين من مستويات الذروة التي بلغت 123 تريليون ين في شهر أبريل من عام 2012 الى 16.1 تريليون ين في شهر أكتوبر الماضي، ومن شأن هذا أن يضع مصداقية بنك اليابان أيضاً على المحك مباشرة وهو الجانب الذي ينطوي على أهمية كبيرة.

اختبار الجهد

ولهذا السبب سوف تشهد حدوث اختبار للجهد في حال استمرار أسواق السندات بالبيع بخسارة في توقع لبدء تطبيق سياسة ترامب المؤيدة للنمو، ويشعر المستثمرون بالقلق من اقتراحه خطة إنفاق على البنية التحتية بقيمة تصل الى تريليون دولار اضافة الى خفضه للضرائب، ويتعين أن نلاحظ أن العلاقة بين أرباح سندات الخزينة الأميركية لعشر سنوات والسندات اليابانية لعشر سنوات كانت منذ سنة 1996 عند 0.85. وعلى الرغم من ذلك ومنذ فوز دونالد ترامب في انتخابات الثامن من هذا الشهر ارتفعت أرباح سندات الخزينة الأميركية بـ 46 نقطة أساس ولكنها وصلت الى 9 نقاط أساس فقط بالنسبة الى السندات اليابانية لعشر سنوات.

والنتيجة هي أنه من المحتمل أن تتحدى الأسواق عاجلاً أم آجلاً تعهد بنك اليابان بابقاء المعدلات لعشر سنوات عند نقطة الصفر، وقد بدأت هذه العملية في الأسبوع الماضي من خلال ارتفاع الأرباح فوق نقطة الصفر لأول مرة منذ اعلان كورودا عن خطته في شهر سبتمبر الماضي، وهذا يعني أن بنك اليابان في حاجة الى زيادة مشترياته من السندات اذا كان يهدف الى التقيد بالتزامه، وذلك طبعاً إلا اذا قرر كورودا تغيير معدلات الأرباح المستهدفة في ضوء العمل الذي أثاره في الأسواق فوز ترامب. وعلى الرغم من ذلك فإن قراراً مفاجئاً برفع السعر من الصفر الى 0.2 في المئة مثلاً يمكن أن يفضي الى فقدان بنك اليابان لصدقيته والى اضعاف الين نتيجة لذلك.

خطة كورودا

وبالنسبة الى الوقت الراهن يجب أن نفترض أن كورودا يعني ما يقول، وهذا يشير الى أن بنك اليابان سوف يضطر الى شراء المزيد من السندات الحكومية في حال بيع سوق سندات الخزينة الأميركية المزيد بحيث يعرض الين الى ضغوط محتملة. وهذا بدوره يعني أن بنك اليابان سوف يعمد الى مزيد من التيسير في وقت تتوقع الأسواق فيه قيام مجلس الاحتياط الفدرالي برفع معدلات الفائدة في شهر ديسمبر المقبل.

وقد بدأت هذه العملية عندما عرض بنك اليابان في 17 نوفمبر الجاري شراء كمية غير محددة من سندات الحكومة من سنة واحدة الى خمس سنوات عند معدلات ثابتة لأول مرة منذ تبني كورودا للسياسة الجديدة. وقد دفع ذلك الى خفض الأرباح من 0.03 في المئة الى 0.01 في المئة، وفي غضون ذلك، تجدر الملاحظة أيضاً أن الأجانب يملكون في الوقت الراهن 10 في المئة من الأسهم في أسواق السندات اليابانية وهذا يعني أن الأجانب في وضع يمكنهم من اختبار كورودا اذا استمرت أسواق السندات الأميركية في الهبوط.

وهكذا فإن الخطر يكمن في كون هذه النسخة الأخيرة من سياسة كورودا النقدية يمكن أن تنجح بشكل جيد تماماً في حال ارتفاع توقعات التضخم نتيجة هبوط الين وعدم تمكن بنك اليابان من الحفاظ على مستوى الأرباح المستهدف.

مخاوف التضخم

وتعتبر اليابان في هذا الصدد مهيأة لخوف محتمل من الارتفاع في معدلات التضخم نتيجة الزيادة في السرعة اذا تصاعدت توقعات التضخم بصورة مفاجئة بسبب مدى نمو القاعدة النقدية بعد سنوات عديدة من سياسة التيسير المالي.

وقد تضاعفت قاعدة اليابان النقدية ثلاثة أمثال من 135 تريليون ين – أو 28 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في شهر مارس من عام 2013 عندما أصبح كورودا حاكماً لبنك اليابان الى 414 تريليون ين أو 82 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في شهر أكتوبر الماضي. وبالنسبة الى الوقت الراهن فإن المعدلات هبطت منذ الأزمة المالية العالمية في سنة 2008 في الولايات المتحدة واليابان وأوروبا على الرغم من تطبيق سياسة مالية غير تقليدية مع شعور أسواق السندات بالقلق من سياسة ترامب – التي تهدف الى الانفاق على البنية التحتية واتفاق الاعفاء الضريبي مع الشركات في الولايات المتحدة بغية تشجيع عودة مبالغ تقدر بحوالي 2.5 تريليون دولار من الخارج.

ويبرز هذا أهمية مصداقية البنك المركزي التي تعبر تغيراً نفسانياً، ويقول جنز أو بارسون في دراسة تاريخية بعنوان عن التضخم: "عند بداية دورة التضخم تهبط السرعة فيما يزداد الكم النقدي ما يخفي إمكانية التضخم الحقيقية". وهذه العملية هي ما كان يحدث على وجه التحديد في اليابان منذ سنوات عديدة وفي الولايات المتحدة وأوروبا منذ سنة 2008 مع تبني حكام المصارف المركزية لجرعات متزايدة من التوسع النقدي.

ولكن اللعبة استمرت فترة كافية وقد أصبحت عملية فقدان المصداقية ملموسة، وحان الوقت بالنسبة الى المستثمرين للتركيز على الاحتمال المتزايد للفقدان الوشيك لمصدقية البنك المركزي وما قد ينطوي عليه ذلك من تبعات.