خيانة مشروعة
مما لا شك فيه أن العالم تغير الآن من حالة التغير الكمي إلى النوعي، الذي يهدف إلى أن يكون دائماً في صالح قوى على حساب أخرى، والذي يمثل بمعنى أدق غروب قوى عالمية وظهور أخرى، ومن هنا برزت الولايات المتحدة الأميركية، التي أصبحت تمتلك قدرات السيطرة على النظام العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والذي أدى إلى تفردها بالسيطرة على العالم. طبعا لا يخفى على الجميع أنها أصيبت بالغرور في مرحلة ما بعد الحرب على العراق ومحاصرتها لإيران ومساعدتها في تمزيق السودان وأفسدت لبنان وأعدت عدتها لخريطة أو لبناء الشرق الأوسط الجديد على حساب تمزيق أشلاء الدول العربية، ولكن الغرور أدى بها في مرحلة إلى ظهور قوى أخرى تحارب أهدافها بما يسمى بالمقاومة للأهداف الأميركية، حيث تسعى إلى الإضرار بالولايات المتحدة، وتستهدفها ومصالحها في كل اتجاه.بدأت بعض التجمعات العالمية تظهر للحصول على نصيبها من الكعكة، طبعا الاتحاد الأوروبي شريك أساسي، ولكن منظمة «شانغهاي» وتنظيمات آسيا الوسطى تسعى هي الأخرى إلى الحصول على نصيبها من كعكة المصالح العالمية، ولسوء حظ أميركا يحدث الهبوط التدريجي لها بعد مطالبات الداخل والخارج بالانسحاب من العراق، ومرورا بوقوعها في الأزمة الاقتصادية، وظهرت القوة العالمية الموازية لأميركا، وأيضا تهدف إلى تفتيت المجتمع العربي، الذي كان مرماها ومنفذها، حتى بعد فوز ترامب وإظهار النوايا الحقيقية لأميركا تجاه العرب والمسلمين، وضرورة أن تسيطر بلاده على أموال بعض الدول العربية باعتبارها حقاً من وجهة نظره، إلا أن المجتمعات العربية تعيش الماضي وتقف عنده، وأنظمتها مازالت تُمارس العنف والقهر لشعوبها وتعوق الديمقراطية وتنتهك حقوق الإنسان، وثعالب السلطة في بعض الدول منهمكة في السلب والقتل ونشر الفساد واستخدام المكر للبقاء في السلطة.
هؤلاء لا يدركون أن بإمكاننا امتلاك الإرادة والقرار إذا حدثت مصالح مشتركة ومركبة على ساحة مجتمعنا العربي من خلال مصالحة سياسية بين تلك الأنظمة وشعوبها، عبر فتح قنوات لمشاركة الشعوب في تقرير مصيرها، مع إيجاد مصالحة بين الأنظمة العربية لتكوين كيان عربي واحد، هنا سنمتلك القوة والقرار، ونسعى جادين نحو إصلاحات داخلية مع تنمية اقتصادية اشتراكية بمشاركة الشعوب، وليس بنظام الإنابة، مع الحفاظ على الهوية والثقافة العربية واحتضان الشباب، ومشاركة الذي أصبح يعاني ضعف الانتماء، فظهرت الفوضى وسوء الأخلاق وانتشر العنف والاغتصاب والقتل والسرقة... إلخ من سلوكيات أصبحت منتشرة في الوطن العربي.وقد أصبح الفقر مارداً يدمر الطبقة المتوسطة لا الفقيرة فقط، حيث بلغ خط الفقر يمثل من ٣٠ إلى ٥٠ في المئة من الشعوب العربية، وضاعت الطبقة المتوسطة التي هي العمود الفقري في أي مجتمع ما أصاب المجتمعات بالوهن والهزال، وأثر على البحث العلمي والتنمية في الوطن العربي، فأصبحنا غير قادرين على إنتاج المعرفة معتمدين على غيرنا، وضاع مفهوم العدالة الاجتماعية أو اختفى من أجندة معظم أنظمة الدول العربية، لذلك كانت النتائج الطبيعية تفكك روابط الأوطان وتراجع المواطنة وهروب المواطنين نحو مراكب الموت بالهجرة غير الشرعية، وفضلوا احتمال الموت غرقاً على الحياة في الوطن، وهم يخضعون للموت البطيء المذل.في ظل ما يحدث على الساحة الدولية لابد للدول العربية من صحوة للمواجهة، عبر إصلاح المجتمع من خلال المصالحة بين الأنظمة السياسية والمجتمع، وبعد ذلك يمكن للمجتمع العربي أن يشكل تكتلاً إقليمياً مع إيران وتركيا، وهذا يحتاج إلى جهود كبيرة، ومع باكستان، أو يشكل تكتلاً إفريقيا، لكن هذا لن يحدث إلا إذا أدركنا حقيقة العالم من حولنا وموقعنا فيه من الإعراب وإلا فسنظل في حالة الفشل والخوف والإذلال والخيانة المبررة من بعض أنظمتنا لحالة العشق الحرام لأميركا.# إسرائيل تحترق... العالم سيقف بجوارها، وربما طائرات عربية وتركية ستشارك في عملية إخماد الحرائق!... لكم التعليق!