Loving... زوج وزوجة يكتبان التاريخ لأن حبهما اعتُبر جريمة
Loving (لوفينغ) فيلم متواضع عن أناس حقيقيين متواضعين. ولكن لا تنخدع بهذا التواضع كله، فقد انتهى المطاف بريتشارد وميلدريد لوفينغ إلى قلب الوضع القائم رأساً على عقب وكتابة التاريخ القانوني الأميركي. نتيجة لذلك، يتمتع هذا الفيلم، الذي أعده الكاتب والمخرج جيف نيكولاس عن حياتهما، بقوة كبيرة وبالغة الأهمية.
سلك الكاتب والمخرج جيف نيكولاس، الذي قدّم أفلاماً مثل Mud، Take Shelter، وفيلم الخيال العلمي الإنساني Midnight Special الذي لم يحظَ بالتقدير الكافي، درباً تاريخياً مع Loving. أعدّ فيلماً يتمتّع بأهمية اجتماعية كبيرة عن ثنائي من عرقَين مختلفين أدى زواجهما، الذي اعتُبر غير شرعي في موطنهما فيرجينيا، إلى حكم بالإجماع في المحكمة العليا عام 1967 اعتبر القوانين العنصرية المناهضة للزواج المختلط غير دستورية.ولد نيكولاس ونشأ في أركنساس، لذا لا شك في أن خلفيته الجنوبية تعزّز اطلاعه على هذه المواد. كذلك نال مساعدة كبيرة من نجمَيه: روث نوغا المشعة التي لا تُنسى في فيلم جون ريدلي Jimi:All Is by My Side والتي برعت في تقديم دور ميلدريد، والممثل الأسترالي جويل إدغيرتون الذي تزداد موهبته بروزاً في دور «ريتشارد» مع تقدّم أحداث الفيلم.
وثائقي مؤثر
يستند Loving في جزء منه إلى الفيلم الوثائقي المؤثر الذي أعدته نانسي بويرسكي عام 2011 بعنوانThe Loving Story، وشمل لقطات مميزة من أشرطة صورتها شبكةABC News لهذا الثنائي بين عامَي 1965 و1967، فضلاً عن صور معبّرة بالأبيض والأسود التقطها غراي فيليه لمجلة Life.يؤدي دورَ فيليه في الفيلم مايكل شانون، الذي شارك في أفلام نيكولاس كافة. على نحو مماثل، يقوم فريق هذا المخرج الأساسي من بين كثيرين على المخرج السينمائي آدم ستون، ومصمم الإنتاج تشاد كيث، ومصممة الملابس إرين بيناتش، والمؤلف الموسيقي ديفيد وينغو، والمحررة جولي مونرو. اتحد هؤلاء كلهم في هذا العمل، مقدمين نتيجة تمتاز بسلاسة وتماسك مذهلين.باستناد نيكولاس إلى الوثائقي كنقطة انطلاق واعتماده على الأصالة الجسدية والعاطفية كهدف في التمثيل والمظهر على حد سواء، حاول المخرج وفريقه توخي الدقة في Loving قدر الإمكان من دون تحويله إلى نسخة من الواقع أو الحد من تأثيره العاطفي الكبير.يبدأ هذا التأثير مع المشهد الافتتاحي على الشرفة الخلفية في أحد منازل مناطق فيرجينيا الريفية النائية عام 1958، حين تخبر ميلدريد ريتشارد أنها حامل، فيبتسم ويجيبها: «جيد». لا تهوى هاتان الشخصيتان الكلام الكثير. لكن هذين الممثلين يبرعان في نقل مشاعرهما من خلال لغة الجسم وتعابير الوجه. ولا تمرّ لحظة في الفيلم تشكّ فيها أن هذين الشخصين لا يحبان بعضهما بجنون.
تشكّل قصة آل لوفينغ الصغيرة في منطقة سنترال بوينت حالة شاذة في فيرجينيا في تلك الفترة، بما أن تلك المنطقة كانت قد طورت أنماطاً سكانية بطريقة اعتُبرت معها المساواة العرقية أمراً مسلماً به.صحيح أن تسريحة شعره القصيرة ونظرته الفارغة تجعلان هذا البناء يبدو رجلاً أبيض متعصباً نموذجياً، إلا أن المشاهد التي يقضي فيها الوقت مع عائلة ميلدريد ويعمل فيها كميكانيكي في أحد فرق سباقات الجري تبرهن أنه لا يأبه للون. على العكس، ينجح ريتشارد في التكيف مع الأعراق كافة لأنه لم يفكر يوماً في هذه المسألة.لكن ولاية فيرجينيا لا تملك النظرة ذاتها إلى الأعراق. بعد أسابيع قليلة من عودة الزوجين لوفينغ من العاصمة واشنطن حيث عقدا قرانهما، تقتحم الشرطة منزلهما في الثانية صباحاً وتعتقلهما. وعندما يشير ريتشارد إلى وثيقة زواجهما المعلقة في إطار على الجدار، يجيبه رئيس الشرطة باختصار: «لا تفيدك هذه هنا».لا يُصوَّر رئيس الشرطة غارنيت بروك (يؤدي مارتون كسوكاس هذا الدور بقوة) وآخرون في النظام القضائي في فيرجينيا كمتطرفين متعنتين بل كأفراد يعتقدون حقاً أن نظام الفصل العرقي المريع ذلك مُنزَل.يمضي ريتشارد الحائر والخائف ليلته في السجن قبل أن تُدفع كفالته، في حين تمضي زوجته خمسة أيام مريعة في السجن (صوّر Loving في السجن عينه الذي دارت فيه الأحداث الفعلية).كان من الممكن أن يُحكم على الزوجين لوفينغ بالسجن مدة سنة لارتكابهما «جريمة ضد سلام ولاية فرجينيا وكرامتها»، غير أن محاميهما عقد صفقة أدت إلى تعليق الحكم بشرط أن يقبلا بمغادرة الولاية وعدم العودة إليها طوال سنتين.شعر الزوجان لوفينغ أن لا خيار آخر أمامهما. لذلك رحلا إلى واشنطن في شهر يناير عام 1959 وانتقلا للعيش مع أحد أقرباء ميلدريد. يُنجبان الأولاد وتشهد حياتهما تطورات كثيرة. إلا أن ميلدريد تعجز عن تقبّل فكرة تربية عائلتها بعيداً عن ذويها.مسيرة جماهيرية
أخيراً، بعد المسيرة الجماهرية الكبرى في واشطن عام 1963 وبعض التشجيع من قريبها، الذي قال لها: «عليك أن تناضلي في سبيل حقوقك المدنية»، تكتب ميلدريد رسالة تتيح لها أجراء محادثات مع المحاميين الشابين بيرنارد كوهين وفيليب هيرسشكوب من الاتحاد الأميركي للحريات المدنية.ينجح Loving في التأثير بالمشاهد من دون مغالاة، فضلاً عن أنه يطرح وجهات نظره بطريقة غير مباشرة، كما في المشهد الذي نرى فيه الزوجين لوفينغ وهما يشاهدان نزول نيل أرمسترونغ على سطح القمر. صحيح أنهما لا يتفوهان بكلمة، إلا أن مدلولات هذا المشهد واضحة: نرسل رجلاً إلى القمر، إلا أننا نعجز عن ترك هذين الزوجين يعيشان بسلام. تشكل هذه معضلة لا تزال ترافقنا إلى اليوم، معضلة نجح Loving في تجسيدها بمهارة.
Loving ينجح في التأثير بالمشاهد من دون مغالاة ويطرح وجهات نظره بطريقة غير مباشرة