في عمله الأول الناجح في عالم الكتابة والإخراج The Strangers (2008)، تبدو شخصيات بريان بيرتينو غير مستقرة. في فيلم التشويق هذا الذي يوتّر الأعصاب، زوجَان يقفان عند مفترق طرق يجدان نفسيهما فجأة وسط عملية اقتحام عشوائية.

لم يتخلَّ بيرتينو عن أسلوبه هذا مع عمله الثالث المخيف والمبتكر The Monster الذي يتناول علاقة مفككة جداً بين أم وابنتها، ما يشوّش في البداية فهمك العنوان.

Ad

الأم كاثي (زوي كازان) امرأة مطلقة صهباء تعاني الإدمان، والابنة ليزي (إيلا بالنتاين) فتاة قوية الإرادة شارفت على مرحلة المراهقة واعتادت على أن تكون الشخص الناضج في علاقتها بوالدتها.

يصوّر الفيلم بكل وضوح وجرأة الغضب والاستياء اللذين يشوبان علاقتهما: عندما تطلق كاثي فيضاً من انتقادات جارحة في وجه ليزي، تلاحظ أنهما تتبعان أنماطاً مدمرة عاطفياً عززتاها بكل وضوح على مرّ السنين.

بعد بلوغ التوتر في علاقتهما حدّه، تقرّر كاثي اصطحاب ليزي لزيارة والدها (دور صغير لسكوت سبيدمان منThe Strangers). لذلك تنطلقان في رحلة طويلة بالسيارة ليلاً على طريق مهجور. سرعان ما يبدأ المطر بالانهمار، ويظهر خلال الرحلة فجأة حيوان على الطريق أمام كاثي، فتحاول تفاديه محطمةً السيارة. وهكذا تصبح الأم وابنتها عالقتين في مكان مقفر. في هذه المرحلة، يتّضح جلياً أنهما تمران في محنة مصيرية ترغمهما على تناسي خلافاتهما.

ولكن ما تفاصيل هذه المحنة؟ وإلامَ تفضي؟ من الأفضل أن تكتشف الإجابة في عتمة صالة السينما حيث يمكنك الاستمتاع بأوجه عملية تنامي التوتر المميزة والمتقنة في هذا العمل.

أداء لافت

ينجح بيرتينو، بالتعاون مع المصورة السينمائية جولي كيركوود، في استخلاص الغرابة البطيئة الحركة التي تتوقعها من سيناريو الاحتجاز الغريب هذا، مع التشديد على كل من كاثي وليزي فيما تجلسان داخل سيارتهما الصغيرة المعطلة وهما تجهلان ما يختبئ في الخارج، أو التجوّل أحياناً في منطقة الصيد التي تنتظرهما.

أثبت بيرتينو، الذي يبرع في تقديم أعمال الرعب بمهارة (يُعتبر فيلمه Mockingbird، الذي لم يحظَ برواج كبير عام 2014، عمل تشويق مبتكراً يعتمد على تقنية {التسجيلات المكتشفة})، براعته في الإخافة والمفاجأة. لفترة من الوقت، يبقي The Monster مصدر جذبه الأول بذكاء على الهامش أو في الظل، مركّزاً بدلاً من ذلك على صوت قطرات المطر المخيف على الزجاج أو وهج المصابيح في العتمة.

تتخلّل حالة التوتر والانتظار هذه لمحات من الماضي عن فترات لا تُعتبر أكثر بهجة تسلّط الضوء على طبيعة صراع كاثي ودور ليزي المحتَّم كضحية وممرضة في آن. لكن ما يبدو كرهاً عميقاً في المشاهد الأولى يتحوّل إلى لحظات من الرقة والحنان، ما يمهدّ السبيل أمام المشاهد المرعبة حين تحاول الأم وابنتها حماية إحداهما الأخرى بعدما يقرّر الوحش أنه اكتفى من اللعب من بعيد.

تقدّم بالنتاين أداء قوياً كفتاة تتمتع بحكمة تفوق سنها ولا تخشى المواجهة. أما كازان، التي أثبتت مهاراتها وتنوّع قدراتها في أفلام مختلفة مثل Ruby Sparks وThe Exploding Girl، فلا عجب في أن تبرع في دور تظهر فيه كمدمنة غاضبة ثم كملكة الخوف والصراخ، شاقةً طريقها بالدم والصراع لتبلغ التوبة أخيراً.

لا شك في أن هدف The Monster الأول إخافتنا. ولكن لا عجب أيضاً في أن يحاول في كل مشهد تأكيد إنسانية شخصياته بوضوح.