«مجهولة النبي»... إعادة رسم مسار جبران خليل جبران الثائر والعاشق

• تُعرض على مسرح «غلبنكيان» في الجامعة اللبنانية الأميركية ببيروت

نشر في 27-11-2016
آخر تحديث 27-11-2016 | 00:04
مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية
في سفينته التي أبحر بها شاقاً عباب الموج إلى مدينة أورفليس باحثاً عن دواء يشفي والدته وشقيقه بطرس ويقرب مسافات اللقاء بينه وبين حبيبة عمره مي زيادة، يلتقي «النبي» أو جبران ثلاث نساء أثرن في حياته: ماري هاسكل، ميشلين، وجوزفين بيبودي... هذه القراءة الجديدة لجبران خليل جبران من تأليف د. سليم وتيجا مجاعص، وكتابة النص لموندا رياشي، تجسدها مسرحياً مجموعة من الطلاب بإدارة المخرج عمر مجاعص، على خشبة مسرح «غلبنكيان» في الجامعة اللبنانية الأميركية، في بيروت.
«مجهولة النبي»، عمل جماعي يدور في فضاء خيالي، يرسم فيه الممثلون بحركات أجسادهم وعلى وقع الموسيقى، مسار جبران خليل جبران إنما بشكل مختلف، حرص المخرج من خلاله على تصوير الشمولية في شخصية جبران وحياته، فهو شاعر مالئ الدنيا ورسام وموسيقي، إذ كتب شعره على هدي الموسيقى وجعل منها عنواناً لكتابه الأول «الموسيقى» (1905).

بعد نحو أربع سنوات من الدرس والإعداد، أطلق المخرج عمر مجاعص المسرحية راسماً مشوار جبران/ «النبي» على متن سفينة أورفليس، حيث يلتقي النساء اللواتي أدين أدواراً مختلفة في حياته، ومحولاً خشبة المسرح إلى مركز لقاء بين تلك الشخصيات، وصولاً إلى محور القصة مي زيادة، الحبيبة الأبدية لجبران.

كوريغرافيا ناجحة

اللافت في المسرحية الكوريغرافيا التي نفذتها تيفاني مجاعص ملغيةً فيها الحدود مع المشاهد، ومحولةً أرجاء مسرح «غلبنكيان» إلى عالم جبران، والممثلين إلى رموز لمحطات من حياة «النبي»، المتنقلة بين الحب والفراق والخوف وحتى استغلال النساء اللواتي عرفهن، ليس بالمعنى السلبي بل بما يتوافق مع حياة هذه الشخصية التي أضحت عالمية، ولم تعد ملكاً لبلدها لبنان أو حتى للحي الذي سكنت فيه في بوسطن.

رغم أن الممثلين في معظمهم من الطلاب، فإنهم نجحوا في نقل الفكرة المتوخاة من المسرحية، فكانت حركاتهم متوافقة مع إيقاع المشاهد والموسيقى والغناء (فرقة «فرقت ع نوطة»)، مع أنها طغت في بعض المشاهد على الحوار، وهذا ليس نقصاً من الممثلين بل اندماجهم في تجسيد الشخصيات جعلهم يتوهون أحياناً بين الكلام وحركات الجسد.

«مجهولة النبي»، سكنت في قلب جبران سنوات وسنوات، وها هي في المسرحية تخرج إلى العلن مخاطبة إياه وجهاً لوجه، بدل المخاطبة بالرسائل، هو الذي طالما حاول تغطية النقص في حياته من خلال علاقته بتلك النساء.

يندرج العرض المسرحي ضمن نطاق المسرح التجريبي الذي لا يعرف حدوداً معينة في رسمه عوالم على غرار تلك التي عنوانها جبران/النبي، فجبران في المسرحية ليس ذاك «النبي» الذي يقود السفينة إلى أورفليس فحسب، بل هو إنسان يغضب، ويثور، ويتألم، ويعشق إلى درجة الوله، ويقيم علاقات مع نساء، خلال رحلته على دروب الحياة المحفوفة بالمخاطر بغض النظر عن نقطة الانطلاق. «وقد سار جبران على درب كتابة مخطوطه العظيم «النبي» منذ طفولته. فتجاربه مع النساء إضافة إلى موت أمه وأخيه دفعاه إلى خلق أحد أعظم المخطوطات الأدبية في التاريخ. ومن محاسن المصادفات أن أقوال المصطفى (وهو شخصية تظهر في كتاب الدكتور مجاعص كما في كتاب «النبي»)، تتوافق مع تجارب جبران وتعطينا بالتالي مدخلا إضافياً إلى حياته، مؤكدة أن الرحلة نفسها، كوسيلة يجب أن تُقدّر أكثر من الغاية»، على حد تعبير المخرج عمر مجاعص.

نساء جبران

من هن النساء اللواتي اخترقن حياة جبران خليل جبران؟ كانت الامرأة الأولى والدته كاملة رحمة التي أثرت في حياته إلى درجة كبيرة، ودغدغت خياله بحكايات كانت تستقيها من التراث الشعبي ومن الكتاب المقدس، وأحدث موتها بداء السرطان فراغاً كبيراً لديه. كانت كاملة امرأة قوية، تركت قريتها بشري في شمال لبنان بعد سجن زوجها، وسافرت وعائلتها إلى بوسطن بحثاً عن حياة أفضل، وهناك عملت بائعة جوالة لتأمين لقمة العيش لأولادها. لكن القدر لم يرحمها فتوفي أولادها الواحد تلو الآخر بمرض السل وبقي جبران وشقيقته وحدهما على قيد الحياة.

جوزفين بيبودي (1874-1922) كاتبة وشاعرة أميركية، استولت ببطء على قلب جبران، ساهمت رعايتها له والاهتمام به في تخفيف ألمه والتقدم في حياته المهنية. عندما قرأت مخطوطة «النبي» في وقت مبكر في عام 1903 وصفته بأنه «نص نبوي»، وأطلقت على جبران لقب «نبي الشباب»، لذا كرس كتابه الأكثر شهرة لذكراها.

ماري هاسكل (1873-1964)، التقاها جبران خلال معرضه الفني الأول، وارتبط بها بعلاقة وثيقة يصفها البعض بعلاقة عاطفية، رغم أنها تكبره بعشر سنوات. لم يثنها زواجها عن استمرار دعمها لجبران مالياً ومعنوياً حتى وفاته، وكانت تسجل أحاديثه وأفكاره، وقبيل وفاته أوصى لها بمحتويات مرسمه.

إميل ميشيل، ميشلين، مدرّسة فرنسية، كانت موديلاً لجبران في رسم بعض اللوحات، وسرعان ما أصبحا صديقين مقربين.

فريد هولاند داي وبطرس

في حياة جبران شخصيتان أيضاً كانتا علامتين فارقتين لديه هما فريد هولاند داي الذي رافقه في المسرحية في رحلته، وشقيقه بطرس الذي كان السبب في قيام جبران بهذه الرحلة بحثاً عن دواء يشفيه من مرضه.

فريد هولند داي (1864-1933) مصور وناشر أميركي، عمل مدرّساً لأطفال المهاجرين في بوسطن والتقى جبران عندما كان في الثالثة عشرة من عمره، وسرعان ما اكتشف موهبته ودعم فنه وكتاباته وساعده في افتتاح أول معرض فني له، حيث التقى ماري هاسكل.

أما بطرس فكان يكبر جبران سناً وهو ثمرة زواج والدته كاملة الأول من ابن عمها، أي أنه شقيقه من أمه. عندما انتقلت الأسرة إلى أميركا أسس مخزناً للبضائع. بعد سلسلة وفيات في الأسرة، تخلى عن تخزين السلع وسافر إلى كوبا حيث نجح وجمع ثروة. لكنه ما لبث أن عاد إلى بوسطن مريضاً، ومات بعد سنوات قليلة بمرض السل.

د. سليم مجاعص

الدكتور سليم مجاعص، كاتب لبناني، عمل مع زوجته تيا مجاعص (عازفة قيثارة وكاتبة أغانٍ) على تحويل كتبه الثلاثة: «جنية النبي»، «وجه النبي» و«مجهولة جبران» إلى نص مسرحي عنوانه «كتاب جبران خليل جبران والجنيات الأربع». تستند كتب د. مجاعص إلى بحوث تتعمّق في جوانب في حياة جبران وأعماله لم يتم اكتشافها مسبقاً. من أشهر مؤلفاته التي صدرت أخيراً «سيرة أنطون سعادة».

العرض يندرج ضمن نطاق المسرح التجريبي الذي لا يعرف حدوداً معينة في رسمه العوالم
back to top