قال تقرير مركز الشال الاقتصادي الأسبوعي إنه تم نشر المرسوم رقم 300 لسنة 2016 الأسبوع الفائت بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم 2 لسنة 2016 في شأن إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد، وبصدوره يكون قد مر على تأسيس الهيئة شاملا فترة ما قبل إبطالها دستوريا، ثم إعادة تأسيسها، نحو 4 سنوات.

وخلال الفترة ما بين

Ad

19/ 11/ 2012 تاريخ تأسيسها الأول، وصدور مرسوم لائحتها التنفيذية في 13/ 11/ 2016، استشرى الفساد، وتحولت معظم مؤسسات الدولة إلى نموذج فساد بلدية الكويت، حتى أن الديوان الأميري بات يعمل خارج نطاق مهامه، ويتولى التخطيط والبناء لمشروعات إنشائية.

ومن قراءة اللائحة التنفيذية، يبدو أننا سننتظر طويلا حتى مباشرة الهيئة مهامها وإعطاء دليل قاطع على أنها مختلفة عن نحو 35 هيئة ومؤسسة ومجلس رديف لوزارات الدولة المكتظة، تم تأسيسها مراكز توظيف لشراء الولاءات من دون نفع أو جدوى لوجودها، وباتت تمثل عبئا ضخما على المالية العامة الضعيفة.

فالمادة 3 مثلا، تخول مجلس أمناء الهيئة وضع السياسة العامة والأطر العامة لمكافحة الفساد، وفقا للاختصاصات الواردة في المادة 10، والمادة 10 تحتوي على 8 بنود كلها تنظيمية وتتعلق بالأفراد والمجتمع، وكأنها ستبدأ من الصفر في بلد خال من الفساد.

وحتى تبدأ الهيئة في تغيير الحكم المسبق على عدم جدواها، عليها أن تبدأ على جبهتين، الأولى جاهزة ولا تحتاج إلى إعداد نظم ولوائح، وهي حالات الفساد القائمة، ليس أهمها ظاهرة العلاج في الخارج والتعليم بالشهادات المزورة، أو قضايا الإيداعات والتحويلات، أي السرقات على أعلى مستوى، ولكنها قضايا اختبار حقيقي لجدوى ونوايا الهيئة، والجبهة الثانية هي إعداد النظم واللوائح من أجل حماية المستقبل.

أهمية قصوى

ومكافحة الفساد أمر مهم في كل الأحوال، ولكن أهميته باتت قصوى في الظروف التي تمر بها الكويت حاليا، فإلى جانب ضغوط أحداث العنف حولها، تمر حاليا بمنعطف طويل الأمد من ضعف الإيرادات يحتم عليها ولوج حقبة إصلاح اقتصادي تنموي بقناعة مجتمعية عامة.

ولا يمكن إقناع معظم الناس بأن للإصلاح الاقتصادي ثمنا لابد للمواطن أن يتحمله، وهو يرى أن ما يخصم منه يتحول أضعافه إلى جيوب فاسدين، كأن تبلغ تكلفة العلاج السياحي في الخارج 10 أضعاف ما يوفره رفع سعر البنزين.

وفي مثال قريب على نوايا وجدية مواجهة الفساد، قررت الهند إتباع نهج تنموي يجعلها الأعلى نمواً اقتصاديا (7.5 في المئة) لعقود قادمة، وجرعة الفساد في الهند عالية، لذلك بدأت مشروعها لمحاربة الفساد بإلغاء فئة العملة الورقية للألف والخمسمئة روبية، أو تلك التي يحتفظ بها الفاسدون أو المتهربون عن دفع الضريبة، وبحلول نهاية ديسمبر 2016، سيكون عليهم الإفصاح عن مصادرها ودفع ضريبتها أو خسارتها كليا. ذلك أمر لم يحتج إلى لوائح أو تنظيمات، وإنما إلى قرار فيه رسالة واضحة بأن زمن التسامح مع الفساد وشراء ود مؤسساته قد انتهى، والعقوبة ستصبح واقعا خلال شهور.

نكرر ما ذكرناه مرارا، بأن الظروف الاقتصادية التي يمر بها البلد هي الأخطر على الإطلاق، وبأنه من المستحيل أن تلج الكويت دروب الإصلاح الاقتصادي والتنمية بالبناء على قواعد فاسدة، والأشهر القليلة القادمة، التي سوف تشهد تغييرا في الإدارة العامة، أشهر حاسمة في الحكم على نوايا وجدوى هيئة مكافحة الفساد، ونأمل أن تكون عند حسن الظن ومستوى مسؤولياتها.

ضعف سوق النفط حالة طويلة الأمد... و60 دولاراً للبرميل أفضل التوقعات
الأسعار قد ترتفع 20% في حال الاتفاق على وقف حرب الإنتاج

أكد «الشال» أن ضعف سوق النفط حالة طويلة الأمد، وأن أفضل التوقعات تقدر بأن سعر برميله قد يصل إلى 60 دولاراً بعد خمس سنوات وتتآكل بفعل التضخم.

أفاد «الشال» بأن منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» ستجتمع الأسبوع الجاري وبدعم من روسيا من أجل الاتفاق على وقف حرب الإنتاج، ومن المتوقع في حالة الاتفاق، أن ترتفع أسعار النفط بحدود 20 في المئة عن مستوى بداية الأسبوع الفائت، أو نحو 46 دولاراً أميركياً لبرميل خام برنت، والواقع أنها بدأت في الارتفاع في الأسبوع الفائت بدعم من نوايا اتفاق.

ووفق تقرير «الشال»، بدأت بوادر الاتفاق بإعلان روسيا الموافقة على تجميد إنتاجها، في حين بشّر العراق بأن لديه 3 أفكار إيجابية سوف يقدمها للاجتماع، وإيران بعد زيادة إنتاجها بشكل كبير لها الموقف نفسه، وذلك أيضاً موقف الجبهة التي ترأسها السعودية.

وفي التفاصيل، فإن الاتفاق داخل «أوبك» إن تحقق وصمد بعد ذلك، سيعني زيادة في الإيرادات النفطية للدول المصدرة تفوق الـ 20 في المئة أولاً، لأن الزيادة صافية أو إيراد صافٍ، وتحسب على مستوى الأسعار بعد اقتطاع تكلفة الإنتاج، وثانياً لأن استقرار الأسعار عند مستوى 55 دولاراً أميركياً مثلاً لخام برنت لفترة معقولة، سوف يعني ردماً متدرجاً للفجوة بين سعر خام برنت وخامات الدول المصدرة. والخلاصة هي أن الاتفاق سوف يعني تحقيق مستوى من ردم للفجوة المالية لكل دولة منتجة، بحدود ما يمكن أن تحققه كل دولة منها لردم تلك الفجوة بسياسات إصلاح مالي لسنتين أو ثلاث، كما أنه يشتري بعض الوقت لالتقاط الأنفاس.

والنتائج غير المباشرة لمثل هذا الاتفاق قد تكون أفضل، صحيح أنها أتت بعد قناعة متأخرة وعالية التكلفة بأن تداعيات حرب الانتاج ستكون وخيمة على الكل، لكنها قد تعني بداية حوار عقلاني لكل ما عداها. فبسبب الحروب المباشرة وحروب الوكالة، وأطرافها هم منتجو النفط في الإقليم وروسيا، أصبح تمويل تلك المواجهات يقتطع كثيراً من تلك الإيرادات الشحيحة، واضطرت على إثره دول مجلس التعاون الخليجي مثلاً إلى إصدار سندات وصكوك دين لهذا العام بنحو 70 مليار دولار، وأكثر منها تم سحبها من احتياطياتها، واتفاق سوق النفط قد يسهل فتح الملفات الساخنة والمهلكة لمفاوضات تسويات سلمية.

أحد المؤشرات مصالحات لبنان، وهو نموذج لاحتمال امتداده إلى سورية واليمن والعراق، وإن تحققت بوادر لذلك، سوف تعني وفراً مالياً كبيراً يوجه إلى تمويل جهود الإصلاح المالي والاقتصادي، ومن يرغب في المقارنة في حالة عدم الاتفاق، عليه أن يتخيل لو أن الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الفائت توقفت في سنواتها الأولى، ولم تمتد لثماني سنوات مهلكة، وانتهت بغزو الكويت.

صحيح أن ذلك هو سيناريو متفائل وقد لا يتحقق، وأن تاريخ «أوبك» غير مشجع تماماً، لكنه يظل وفق تقديرنا في حدود الممكن، وأن السيناريوهات الأخرى ستقود إلى تداعيات غير محتملة، لكل الإقليم، ولكل دولة فيه. إن كل دولة في الإقليم، ومن دون استثناء، باتت مهددة بربيع شبيه بربيع أوروبا الشرقية في ثمانينيات القرن الفائت أو الربيع العربي، والفارق بين حدوثه في دولة وأخرى هو الوقت فقط، وحدوثه في الجوار يعني امتداده إلى داخل كل دولة فيه.

وعلينا أن نعي، أن ضعف سوق النفط حالة طويلة الأمد، وأن أفضل التوقعات تقدر بأن سعر برميله قد يصل إلى 60 دولاراً بعد خمس سنوات وتتآكل بفعل التضخم، بينما تحتاج زيادة السكان وزيادة الطلب على فرص العمل في دول قاعدتها الشبابية ضعف أعداد تلك القاعدة في الدول المتقدمة، إلى وضع مالي واقتصادي وحتى سياسي مستقر، ولابد من غلبة للعقل على العاطفة.

إهدار فرصة جديدة لتشكيل فريق حكومي نظيف قد تعني ضياعاً آخر لفرص النجاح

خطايا السياسة الاقتصادية تجعل فرص الإصلاح أكبر كلفة

قال تقرير «الشال» إن فريق بعثة صندوق النقد الدولي نشر منتصف الشهر الجاري، تقريره حول الوضع المالي والاقتصادي للكويت، وعند قراءته، لا يفترض أن نحكم على محتواه بأنه نقي أو باطل بالمطلق، ففي الغالب، هو تقرير مليء بالمعلومات والقدرة المهنية على التحليل، وعلى القارئ، خصوصاً الجانب الرسمي، أن يعرف ما هو غث في التقرير. مثال لما هو غث، إهمال الصندوق للتمييز ما بين ما هو دخل مستدام ومتجدد لتمويل المالية العامة، أي ناتج عن نشاط اقتصادي، وما هو ناتج عن استهلاك أصل نافذ وينفق، ليس فقط على ما لا يبني قواعد لخلق نشاط متجدد، وإنما ينفق بما يقوض تنافسية الاقتصاد ويهبط كثيراً بفرص نموه في المستقبل.

يذكر التقرير أن على الكويت أن تتعايش مع معدل لأسعار النفط في عام 2016 بحدود 44 دولاراً أميركياً للبرميل، أي بانخفاض عن معدل أسعار عام 2013 بنحو 58 في المئة، وأن حصيلة إيراداتها النفطية للعام الحالي، سوف تبلغ 45 مليار دولار، أو بهبوط بنحو 58.5 في المئة عن مستوى إيراداتها عام 2013.

والواقع حتى الآن، أن معدل سعر برميل النفط الكويتي للأشهر العشرة الأولى من العام الحالي، هو بحدود 37.4 دولاراً للبرميل، أي أدنى بكثير من توقعات الصندوق.

ولو كان هبوط أسعار النفط ظاهرة قصيرة الأمد، لأمكن التغاضي عنها، ولكن، الصندوق لا يتوقع لأسعار النفط أن تبلغ الـ 60 دولاراً حتى عام 2021، أي إن شح الإيرادات النفطية سوف يستمر حقبة طويلة مقبلة.

ذلك الوضع المالي غير المريح، ينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي، فبعثة الصندوق، لا تتوقع نمواً حقيقياً للاقتصاد يعوض ضعف نمو قطاع النفط، أي إنه رغم الإشادة الخجولة من قبلها بنوايا الإصلاح، لا تعكس توقعات البعثة إنعكاسها الإيجابي بما يكفي على نمو القطاعات غير النفطية.

فهي تتوقع نمواً ضعيفاً وبمعدل 2 في المئة للقطاع النفطي للسنوات الخمس (2017-2021)، بينما يراوح نمو القطاعات غير النفطية لنفس الفترة ما بين 3.5 -4 في المئة، ليبلغ النمو الحقيقي المتوقع للناتج المحلي الإجمالي دون الـ3 في المئة لكل الفترة، وهي لا تكفي لسد عجز القطاع العام عن توفير ما يكفي من فرص عمل.

نسوق هذا الكلام والكويت على مشارف تشكيل حكومة جديدة، التحدي الحقيقي أمامها اقتصادي، والفشل في مواجهته لا يعني فقط تدني في مستويات المعيشة، وإنما يعني تهديداً حقيقياً للاستقرار عند بدء تحول البطالة المقنعة إلى بطالة سافرة حقيقية.

وبعد تداعيات خطايا السياسة الاقتصادية والمالية في حقبة رواج سوق النفط وما بعدها، أصبحت فرص الإصلاح أكبر كلفة وأقل حظوظاً في النجاح، لكن فرصة النجاح مازالت ممكنة، وإهدار فرصة جديدة لتشكيل فريق حكومي نظيف وقادر وواعٍ بتلك التحديات، قد يعني ضياعاً آخر لفرص النجاح.