5 أسباب وراء تراجع القضية الفلسطينية

نشر في 27-11-2016
آخر تحديث 27-11-2016 | 00:06
لقد أضرت الانتفاضات العربية التي اندلعت مع مطلع العقد الجاري بالقضية الفلسطينية ضرراً كبيراً، ليس فقط لأنها سحبت الضوء عنها،
ولا لأنها شغلت دولاً عربية رئيسة بقضايا الحفاظ على بقائها على حساب القضية الفلسطينية، ولكن أيضاً لأنها جعلت من تلك القضية «مشكلة ثانوية».
 ياسر عبد العزيز لقد تراجعت أهمية القضية الفلسطينية في العناوين الإخبارية، وأجندات القادة، والعلاقات الدولية والإقليمية؛ وهو أمر خطير بكل تأكيد، لكن الأخطر منه وأشد أثراً أن تلك القضية فقدت الكثير من زخمها في الوعي الجمعي للشعوب العربية وغيرها من شعوب العالم الصديقة.

لم تعد القضية الفلسطينية قادرة على الحفاظ على لقب "قضية العرب المركزية"، ولم يعد بوسعها أن تحتل مساحات الاهتمام اللائقة في المحادثات السياسية، وجداول الزيارات الرسمية، والمؤتمرات الأممية، وتظاهرات الشوارع.

ورغم أن إسرائيل لم تتوقف عن ممارسة سياساتها العدوانية والتوسعية والتهويدية بحق الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، فإن العالم بات أقل اهتماماً بتسليط الضوء على تلك الممارسات، وأقل رغبة في إدانتها، وهذا الأمر يشمل الدول العربية كذلك، بشكل يتناقض تماماً مع الوضع الذي كانت عليه تلك القضية طيلة ستة عقود.

فلماذا تدهورت مكانة القضية الفلسطينية، وتراجعت أهميتها؟

بعد يومين، ستعقد منظمة "فتح" مؤتمرها السابع، في رام الله، بالضفة الغربية، حيث يُنتظر أن يتم حسم مشكلة القيادة المتنازع عليها؛ وهي واحدة من أكبر المشكلات التي تواجهها القضية الفلسطينية.

فالحقيقة المرة التي يتواطأ الجميع عليها، ويتعامى كثيرون عنها، ويراوغ آخرون حولها، ويسكت المعنيون بصددها، لا تتعلق بنزاع "فتح" و"حماس" على السلطة فقط، ولا بتدخل أطراف إقليمية، مغرضة أو نزيهة، لإدارة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي لمصلحتها، ولا بالاستهداف الإسرائيلي العسكري والسياسي والاستخباراتي والإعلامي للمقاومة الفلسطينية، ولا بتآمر الدول الكبرى على القضية انحيازاً للدولة العبرية أو خوفاً من نفوذها، وإنما تتعلق تلك الحقيقة بأن الشعب الفلسطيني بات اليوم شعباً بلا قائد.

سيمكنك، إذا أردت، أن تعدد أسماء العشرات، بل المئات، من الناشطين والمناضلين الفلسطينيين أصحاب التاريخ الناصع في المقاومة والعمل الوطني والرؤى الواضحة حيال الصراع وسبل حله، لكن واحداً منهم لا يستطيع إقناعنا باستحقاقه للزعامة أو قدرته على النهوض بأعبائها.

لم يحدث على مر التاريخ أن نجح شعب، مهما توافرت له القدرات وتيسرت السبل، في نيل حقوقه الوطنية أو التخلص من الاستعمار أو تحقيق الحرية وإزاحة الظلم والقهر من دون أن تكون له قيادة وطنية بارزة تحظى بقدر من التوافق والاصطفاف خلفها، وتتمتع بقدر مناسب من الشرعية والتأييد الطوعي من شعبها.

ورغم أن جزءاً كبيراً من أسباب النزاعات الفلسطينية- الفلسطينية الراهنة يعود إلى وفرة كمية في الزعماء، وهي الوفرة التي مكنت كل فصيل من تصور وجوب تفعيل رؤاه والسير على منهجه، فإن قائداً واحداً لا يكاد يظهر على الساحة متمتعاً بالقبول والمصداقية فضلاً عن القدرة والشرعية اللازمة لتولي القيادة.

لم تترك إسرائيل جريمة مهما كانت مروعة إلا وارتكبتها في حق الشعب الفلسطيني، ولم تترك باباً يمكن أن تنفذ منه إلى حيث تضعف الفلسطينيين وتشل قدرتهم على الفعل وتمحو أثرهم من المنطقة والعالم إلا وولجته، ومع ذلك يبقى أكبر نصر لها، وأفدح هزيمة للفلسطينيين، أنها عملت بجهد وتدبير محكمين لتوصلهم إلى حيث باتوا شعباً بلا قائد.

اليوم يعرف الجميع لماذا كان التخلص من عرفات أولوية على رأس الأولويات الإسرائيلية؟ ولماذا قُتل خليل الوزير (أبو جهاد) في 1988؟ ولماذا اغتيل صلاح خلف (أبو إياد) في 1991؟ ولماذا سُجن مروان البرغوثي عام 2002، وغيره من قادة المقاومة الفلسطينية البارزين؟ ولماذا حرصت إسرائيل على القضاء على كل بادرة قيادة تظهر بين مناضلي المقاومة الفلسطينية؟ ولماذا سارعت الحكومات الإسرائيلية، وبعض الأصدقاء والحلفاء في المنطقة والعالم، لاقتراح زعماء أقل نزاهة ورشداً، أو قبولاً وكاريزماتية، أو تسامحاً وعقلانية وانفتاحاً، وتركهم للتناحر والتنازع على سمعة القضية ومستقبلها.

لن تفضي جهود المصالحة الفلسطينية إلى شيء ذي بال، ولن يستقيم الحال لـ"فتح" أو "حماس"، ولن يحقق الشعب الفلسطيني طموحه إلى الكرامة والسيادة والحرية من دون قيادة تبدو الآن غائبة وصعبة المنال.

اليوم نشهد تنافساً على قيادة "فتح"، بين الرئيس عباس والقيادي المفصول من اللجنة المركزية دحلان؛ وهو تنافس يكلف القضية الفلسطينية أثماناً كبيرة، ويعكس تنافساً إقليمياً ودولياً وإرادة غير فلسطينية وغير عربية في جوانب منه.

عند المقارنة بما كانت عليه الأوضاع في ظل قيادة عرفات، لا يبدو أن القيادات الفلسطينية الحالية قادرة على الوفاء بالحد الأدنى من متطلبات القيادة.

الإشكال الأكبر يكمن في أن الفائز في هذا التنافس لن يحل مشكلة غياب القيادة على المستوى الوطني، في ظل الشقاق، لأنه سيبدأ معركة مع "حماس" أو مع "الانقسام الفلسطيني" حسبما سيصوغ العلاقة مع الشقيق اللدود المهيمن على غزة.

بسبب الانقسام بين "فتح" و"حماس" تتضرر القضية الفلسطينية، وتفقد زخماً واعتباراً وأنصاراً كل يوم تقريباً.

إن الانقسام الفلسطيني يكرس تحول القوى الوطنية الفاعلة إلى أدوات لدول ومصالح داخل الإقليم وخارجه؛ وهو أمر يخصم من قدرة هذه القوى على تحقيق المصلحة الوطنية، كما يقلص وجاهتها والاعتبار المعنوي الذي تتمتع به.

لقد أضرت الانتفاضات العربية التي اندلعت مع مطلع العقد الجاري بالقضية الفلسطينية ضرراً كبيراً، ليس فقط لأنها سحبت الضوء عنها، ولا لأنها شغلت دولاً عربية رئيسة بقضايا الحفاظ على بقائها على حساب القضية الفلسطينية، ولكن أيضاً لأنها جعلت من تلك القضية "مشكلة ثانوية"، ونقلتها من على شعلة الموقد العربي الأمامية إلى شعلة أخرى خلفية أقل حرارة ووهجاً.

يأتي فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة ليضيف سبباً جديداً لتراجع الاهتمام بالقضية الفسلطينية وإضعاف مركزها السياسي والمعنوي، في ظل انحياز اليمين الأميركي الواضح لمصلحة إسرائيل.

تضيف "داعش" وتنظيم "الإخوان" أسباباً وجيهة لإضعاف القضية الفلسطينية، خصوصاً على المستوى الدولي، حين يتم الربط بين ذرائع "حماس" وأيديولوجيتها وبين أداء "داعش" أو مرجعية "الإخوان".

لتلك الأسباب الخمسة باتت القضية الفلسطينية أضعف وأقل تمتعاً بالزخم والاهتمام، وهو أمر يجب الخروج منه عبر تصليب قيادة قادرة وفعالة، وإنهاء الانقسام بين أبناء الشعب الفلسطيني وسياسييه.

* كاتب مصري

عند المقارنة بما كانت عليه الأوضاع في ظل قيادة عرفات لا يبدو أن القيادات الفلسطينية الحالية قادرة على الوفاء بالحد الأدنى من متطلبات القيادة

فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة يضيف سبباً جديداً لتراجع الاهتمام بالقضية في ظل انحياز اليمين الأميركي لإسرائيل

القضية الفلسطينية لم تعد قادرة على الحفاظ على لقب «قضية العرب المركزية» .
back to top