البصرة بقاعات تزلّج والشمال العراقي يجرّب أسوأ الأيام
يشيع في الأدب العربي تعبير «بعد خراب البصرة» كناية عن موقعها التجاري والجغرافي، الذي عرضها دوماً للغزوات، قادمة من البحر أو نازلة من الهضاب والصحارى المحيطة، في حين بقي شمال بلاد ما بين النهرين أكثر استقراراً عبر التاريخ لجهة موقعه الأكثر حصانة.لكن الجيل الجديد من الحروب على أيدي التنظيمات المتشددة نجح في قلب المعادلة، وجعل الشمال الغربي للعراق، وهو سني في الغالب، يجرب أسوأ لحظات الدمار والعوز والمحن السياسية والأمنية، في وقت يزدهر الجنوب بصيغ واعدة، بعد أن كان مسرحاً للدمار في آخر أربعة عقود.
وتعرضت أهم المدن السنية إلى خراب شبه تام بسبب الحرب ضد «داعش»، وتمرّ الموصل، وهي حاضرة تاريخية متميزة في الشرق الأوسط، بمعارك هي الأقسى خلال آخر 100 عام، ولا يقتصر الأمر على هذا فحسب، فالشمال الكردي يعيش ظروفاً اقتصادية قاهرة بسبب هبوط أسعار النفط وتأخر حسم الخلافات مع بغداد، التي لا تزال تمتلك بعض المال، حيث تشهد أربيل والسليمانية تأخراً رهيباً في تسديد الرواتب الحكومية ومستحقات الشركات والمقاولين، وتراجعاً في الاستثمار الأجنبي، الذي ازدهر أيما ازدهار قبل ظهور التهديد الأمني على يد «داعش» صيف ٢٠١٤.ولم يكن البصريون على سبيل المثال يتخيلون رؤية جسر معلق على شط العرب الشهير، يسمح بمرور السفن من تحته في مشهد يذكر بمضائق إسطنبول البحرية، غير أن ذلك تحقق في مشروع سيفتتح خلال أسابيع، رغم شبهات فساد وسوء إدارة واضح للمدينة نتيجة الانقسام السياسي والجراح العميقة في ثقافة البصرة، التي كانت معروفة بالانفتاح والتنوع الديني والثقافي، وصارت إلى حد كبير تحت رحمة التشدد الديني.ويكافح المجتمع الحضري هناك لاستعادة نوع من الحياة كان غير مألوف طوال عقود الحرب، حيث تفتتح الأسواق العملاقة وتزخر المولات بالبضائع الحديثة، وبلغ الأمر أن تحولت هذه الأماكن إلى ما يشبه النوادي الاجتماعية، التي تشهد عروض المسرح ومعارض الكتاب ومهرجانات الأغاني «الخشابة» التي تنتمي إلى ثقافة البحر وألوان الإيقاع الخليجي، كما قام بعض المستثمرين بافتتاح مشاريع تعد ترفيهية جداً من قبيل قاعات تزلج على الجليد تسمح بالاختلاط بين الجنسين في مشهد يحاكي ازدهار مدن المنطقة الأخرى، وهو نوع من الاستثمار لم تشهده حتى العاصمة بغداد.أما المدن السنية المحررة من داعش، مثل تكريت والرمادي، فهي تمتلك أولويات أخرى، إذ تكافح لاستعادة الحياة بصعوبة بعدما أصبحت بعض أحيائها السكنية تلالاً من الركام، كما أن مجتمعات النازحين من أبنائها ومعظمهم في إقليم كردستان العراق الشمالي، تحاول أن تواجه أقسى هجرة عرفتها عبر خلق حالة من التكافل الاجتماعي والأعمال التطوعية، التي لم تكن شائعة في السابق، مثل تجارب إنشاء المدارس والمستشفيات الخيرية، التي أسسها رجال أعمال من الأنبار ونينوى وبدأت تنافس الجهد الحكومي في قطاعي التربية والصحة.