أثار ضعف مستوى أفلام كثيرة شاركت في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي تحفظات زادها اشتعالاً البيان الصادر عن الإدارة قبل ساعات من الختام ليؤكد انفراد المدير الفني الناقد يوسف شريف رزق الله بالاختيارات، ما يجعلنا نسأل مجدداً عن دور لجان المشاهدة ما دام عملها استشارياً وغير ملزم، وهل فعلاً، كما تناثرت الأقاويل، لم يعرض عليها تحديداً الأفلام المصرية المشاركة؟باستثناء "ميموزا”، جاءت بقية الجوائز منصفة إلى حد بعيد، في مقدمها جائزة التمثيل التي حصدتها المصرية ناهد السباعي عن دورها في "يوم للستات”، فرغم انتقادات لحقت بالفيلم لكن يبقى دورها "الحسنة الوحيدة” فيه لنجاحها في الإفلات من "نمطية” أدوار المعوقين ذهنياً، وتقديمه بفهم مختلف وشديد الخصوصية، كذلك أفلام "حياة آنا” (جورجيا) الحاصل على جائزة "الفيبريسي” (تحكيم النقاد) من إخراج نينو باسيليا، و”قطار السكر والملح” الحاصد فضية القاهرة (البرتغال، موزمبيق، فرنسا، جنوب إفريقيا والبرازيل) من إخراج ليسينو أزيفيدو، وكان توقّع الجميع أن يحصد جوائز عدة في المهرجان.
معاناة
«لست وحدك في البؤس والمعاناة الحياتية»، هو الشعار الأصدق لأفلام الدورة الـ 38 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، فكثير من الأفلام التي شاهدها الحضور في الأقسام المختلفة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الفقر والفساد والجهل والمرض، من ثم الحياة البائسة، هي محور حياة كثير من الشعوب، ما يدفع البعض إلى التفكير في الهجرة من الوطن بحثاً عن مساحات أخرى أكثر رحابة كما في «حياة آنا» (جورجيا) قبل أن يصدمه الواقع ويقبل التعايش قهراً لا اختياراً، أو «الدجاجة السوداء» (نيبال، سويسرا، ألمانيا وفرنسا) وترصد أحداثه حرب العشر سنوات الأهلية في نيبال، أو «قطار السكر والملح» الذي يحكي عن بشر معلقة أحلامهم بين واقع مرير وأحلام مشروعة.كذلك الهندي «أحمر شفاه تحت البرقع» (قسم مهرجان المهرجانات) الذي رصد من خلاله مخرجه واقعاً مريراً لنساء يعشن على هامش الحياة والأحلام، كذلك اللبناني «بالحلال» للمخرج أسد فولادكار، وفيه يعري بسخرية لاذعة وعبر أكثر من نموذج مشاكل مؤسسة الزواج، ومحاولات كل طرف الخروج من أزمته «بالحلال» حتى لو كان في ذلك التفاف على الشرع أو المجتمع، فالمهم تجميل الصورة فحسب، بغض النظر عن معاناة الجميع ومدى اتساقهم نفسياً وإنسانياً أمام تلك الحلول.حتى «يوم للستات» رغم الفارق شكلاً ومضموناً، إذ إن الأفكار البراقة لا تكفي وحدها لصناعة فيلم جيد، فإنه أيضاً اجتهد في رصد نماذج إنسانية، نساء ورجالاً، نعيش وسطها وربما تتقاطع حياتنا معها ومن خلالها، لكن أكثرنا لا يتوقف لحظة لتأمل واقع هؤلاء أو مشاكلهم وظروفهم، وأحلامهم البسيطة في العيش والكرامة الإنسانية، وصراعهم لأجل البقاء والصمود أمام حياة تدهسهم وتقتلهم كل يوم بلا هوادة.البؤس مقروناً بالأمل يمكن تلمسه أيضاً عبر أكثر من فيلم لعل أبرزها الهندي «نصف تذكرة» (بانوراما دولية) من إخراج ساميت كاكاد، والذي يؤكد أن الفقر والحرمان ليسا مبررين للسرقة ولا الفساد أو.. أو... بل يمكن أن يشكلا دافعاً للتحدي والصمود حتى لطفل لا يفهم، محروم من أبسط حقوقه من طعام وسكن وحياة كريمة، كذلك «بلانكا» إخراج كوكي هاسي (إيطاليا، الفلبين، اليابان) وترصد أحداثه حياة أطفال الشوارع بكل ما فيها من مأساة وقهر، إلا أنه وسط الحياة القاسية ثمة من لديه القدرة على العطاء والحب.اكتشاف
من أفضل ما عرض في هذه الدورة عدد من الأفلام التسجيلية الطويلة، وأبرزها «جمهورية ناصر» (أميركا) للمخرجة ميشال غولدمان. رغم ما أثاره الفيلم من جدل في الندوة التي أعقبت عرضه، بين مؤيد ومعارض ومنتقد لإغفال المخرجة تفاصيل عدة سواء التي تساند وتدعم أو تلك التي تنتقص وتدين وتتهم، فإن الفيلم في تصورنا جاء متوازناً إلى حد بعيد.على العكس من ذلك، جاء «إحنا مصريين أرمن» الذي تقاسم إخراجه كل من وحيد صبحي وحنان عزت مع إيفا داريان، ليؤكد أن «الأرمن» يعيشون فيما يشبه دولة داخل الدولة، وأن لهم الفضل في بناء مصر الحديثة وعلى الصعد كافة، بينما افتقد إلى طرح رؤية محايدة حول البلدة التي كانت بمثابة الحصن الذي ضمهم وعاشوا فيه بأمان وسلام حتى الجيل الرابع منهم.