اختار لي الصديق الروائي المبدع سعيد نوح هذه الرواية ورشحها كأفضل رواية قرأها، وبالفعل رواية قديرة، ومن أهم 100 عمل روائي نُشر بالإنكليزية.

كتبها الروائي الأميركي ناثال هاوثورن عام 1851، أي إنها من الأعمال الرومانتيكية في الأدب.

Ad

المنزل ذو الجمالونات السبعة، مازال موجودا وتعود ملكيته لابنة عم الكاتب في زمن كتابتها، وكعادة الدول المتحضرة بات هذا المنزل مزارا ومعلما ثقافيا للناس.

المنزل بناه الكولونيل بنشيون على أرض استولى عليها من صاحبها العجوز ماثيو مول، الذي بنى عليها كوخا متواضعا بجانب نبع صاف كان قد اكتشفه، وحين رفض بيع أرضه دبر له الكولونيل مكيدة تتهمه بممارسة السحر، ما أدى إلى شنقه، وقبل أن يُشنق نطق بلعنته التالية: "سوف يمنحك الله الدماء لكي تلعق فيها".

ومن هذه النبوءة تبدأ الحكاية التراجيدية لهذا الكولونيل وسلالته الممتدة على أكثر من قرنين تأتي نهاياتهم كما تنبأ بها الساحر صاحب الأرض المغتصبة.

أجمل ما في هذه الرواية هو طريقة الغوص والتحليل في تركيب الصفات الشخصية لأبطال الحكاية، فالكاتب لا يكتفي بوصف تصرفاتها أو طريقة تفكيرها أو عاداتها وطبعها وسلوكها، بل يزيد عليها بإضافة رأيه بها، ووضع بدائل للأخلاقيات التي يجب أن تتحلى بها أو أن تتخلى عنها، ما يدفعه إلى المزيد من تحليل الشخصية ومعرفة تصرفاتها وإضفاء الكثير من أفكار الكاتب عليها، تضاعف إسرافه في الوصف حتى يعمق وجودها ويحفرها في وجدان القارئ بأبعادها الثلاثية.

الرواية تشعبت في الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة الجانبية، مثل وصف الدجاج، الزهور، الجرادة، بشكل يوازي الأحداث الرئيسية مثل وصفه للكتكوت: "هذا الكتكوت ليس سوى لغز كبير له كساء من الريش، وأحجية فقست بيضة، وأن به قدرا من الغموض كما لو أنه قد برز من بيضة كانت في الأصل فاسدة".

الكاتب جالس يراقب تفاصيل الناس الشكلية والجسمانية وردود أفعالهم وما يتخيله عنهم، إلى جانب أحكام أخلاقية يحاكم بها الشخصيات ليؤدبها ويربيها ويعلمها السلوك الصحيح.

أحكامه وتحليلاته رائعة بالرغم من الطريقة المضحكة والغريبة بكتابتها، تجعله حارسا للكون ولمن فيه من شدة مراقبته.

الملاحظة الثانية لتميز هذه الرواية قدرتها على التلاعب بتقنيات متعددة تكسر رتابة السرد، مثل جعل الشاب هولجريف يعرف ماضي حياة الأسرة رغم أنه لا ينتمي لها، ثم نكتشف في النهاية أنه من سلالة الرجل الساحر المغتصبة أرضه من قبل هذه العائلة، أيضا التقنية الرائعة ليقظة كليفورد المهزوز الفكر والمعتل النفسية، حيث تم تحوله بطريقة تناسب حالته ووضعه النفسي المريض، التقنية الثالثة كانت بمشهد موت القاضي بنشيون، حيث ربط موته مع الكشف عن كل أحوال وأوضاع وأعمال المدينة، من اجتماعات مجالس إدارة وانتخابات رئاسية، وإدارات بنكية، وكل ما ينبض بقلبها من شؤون.

اللعب على حبكات الرواية زاد من بث التشويق، مثل التطويل بمشهد فرار كليفورد، ومشهد موت القاضي بنشيون، حيث جعل الكاتب القارئ يمضي ليلة بأكملها بصحبة جثة القاضي الميت، وهو ما كتبه بختام المشهد: "إلا إذا كان هو جسد القاضي بنشيون، الذي يمثل منظرا موحشا ومخيفا كما نتذكر، منذ أن سهرنا معه ليلة بطولها! ولا يزال جالسا كما هو فوق مقعده البلوطي".

ربما كانت أحكام ومحاكمات الكاتب الأخلاقية لشخصياته مناسبة أكثر لزمن كتابة روايته هذي، وليست صالحة لشكل الكتابة العصرية، لكنها بمفهوم زمنها كانت مناسبة ومتوافقة معه، ولا يقلل من قيمتها لأنها باتت من الأعمال الكلاسيكية المهمة.

وهذا يدفع للسؤال التالي: هل يجب أن تكون الرواية صالحة لكل زمان، أي إن عصريتها تتخطى مفهوم الزمن؟

هناك روايات كثيرة تخطت مفهوم الزمن، وباتت صالحة وطازجة في كل وقت وأوان مثل "عوليس" و"الزمن المفقود" و"الصخب والعنف" وجميع أعمال كافكا، إلخ.

كذلك التدخل السافر والواضح والمباشر للروائي بحياة شخصياته والتعليق عليها أمر غريب يجعل من الكاتب قوة عظمى تلعب بقدرها، أو يظهر مثل محرك عرائس الماريونيت من فوق المسرح، خاصة عند التعليق عليها مثل هذه الفقرة: "ولتسامحنا السماء إذا تجرأنا على رسم ابتسامة على شفاهنا ونحن نتصورها هكذا، تتعهد القليل من المشاهد التي تحتل العواطف المحتدمة، لتكون أفضل مما عهدته في فترة ما بعد ظهر هذا اليوم الأول".