في الجزء الأخير من ثلاثيَّة «دروب الحرِّيَّة» بعنوان «الحزن العميق»، يقول جان بول سارتر عن أبطاله: «إنّهم أحياء لكنّ الموت لمسهُم. ثمَّة شيء انتهى؛ وأَسقطت الهزيمةُ عن الحائط رفوفَ القيَم. وفيما يحتفل دانيال، في باريس، بانتصار تأنيب الضمير، كان ماتيو، في قرية في منطقة اللورين، يقوم بجردةٍ للأضرار: السلام والتقدُّم والعقل، والحقّ والديمقراطيَّة والوطن، كلُّها، مهمَّشة. ولن يتمكَّن المرءُ أبداً من إعادة لُحمتها».ولكنْ، يتابع سارتر: «ثمة شيء ما يبدأ أيضاً: من دون درب محدَّد، من دونَ مراجع ولا رسائل تمهيديَّة، بل من دون أن يكونوا قد فهموا ماذا حلَّ بهم، أخذوا يسيرون، لأنَّهم، بكلِّ بساطة، لا يزالون على قيد الحياة».
وتعتبر «دروب الحرية» إحدى أضخمَ الروايات الوجوديَّة وأروعَها، من خلالها استطاع الفيلسوف والروائي والكاتب المسرحي الفرنسي أن يضع فلسفَته الوجوديَّة في متناول القرّاء جميعهم، حين صبَّها في قالبٍ روائيٍّ فذّ.
من الكتاب:
{كان ثمة شيء في نفسها بلا ريب: فإنه لم يسبق لحركاتها أن كانت على مثل هذه الفجاءة، ولا لصوتها أن كان خشناً، رجولياً، كما هو الآن. كانت جالسة على السرير، بلا دفاع، كأنها إناء ضخم من الفخار المنقوش، في جوف الغرفة الوردية؛ وكان يشق على المرء أن يسمعها تتكلم بصوتها الرجولي، بينما تنبعث منها رائحة قوية غامضة، وأخذها ماتيو من كتفيها وجذبها إليه: إنك آسفة على ذلك الزمن؟ فقالت مارسيل بجفاف: ذلك الزمن، كلا: بل أنا آسفة على الحياة التي كان يمكن أن أحياها}.فيلسوف وروائي
جان- بول سارتر (21 يونيو 1905 - 15 أبريل 1980)، فيلسوف وروائي وكاتب مسرحي وكاتب سيناريو وناقد أدبي وناشط سياسي فرنسي، بدأ حياته العملية أستاذاً. درس الفلسفة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وعندما احتلت ألمانيا النازية فرنسا انخرط في صفوف المقاومة الفرنسية السرية. اشتهر بأعماله الأدبية وفلسفته المتمحورة حول {الوجودية}، وكان رفيقاً للفيلسوفة والأديبة سيمون دي بوفوار التي أطلق عليها أعداؤها السياسيون {السارترية الكبيرة}. تتميز أعمال سارتر الأدبية بغناها بالموضوعات والنصوص الفلسفية بأحجام غير متساوية، من بينها: {الوجود والعدم} (1943)، {الوجودية مذهب إنساني} (1945)، {نقد العقل الجدلي} (1960).كذلك تميّز بنصوص أدبية من بينها: {الحائط} (مجموعة قصص قصيرة)، {الغثيان} (رواية- 1938)، الثلاثية {طرق الحرية} (1945)، ومسرحيات من بينها: {الذباب} (1943)، {الغرفة المغلقة} (1944)، {العاهرة الفاضلة} (1946)، {الشيطان والله الصالح} (1951)، {مساجين ألتونا} (1959). عام 1964، أصدر سارتر {الكلمات} يتناول السنوات الإحدى عشرة الأولى من عمره، وفي أوائل السبعينيات أصدر دراسة حول غوستاف فلوبير بعنوان {أحمق العائلة} (1971-1972)، فضلاً عن دراسات حول سير كل من تينتوريتو ومالارميه وشارل بودلير وجان جينيه.على مدار حياته، رفض جان بول سارتر التكريم بسبب إخلاصه لنفسه ولأفكاره، وفي هذا السياق رفض استلام جائزة {نوبل} في الآداب التي منحت له عام 1964، لكنه قبل لقب دكتور شرف الذي منحته إياه جامعة أورشليم عام 1976.