لمَ تعتقد الصين أنها قادرة على بناء نظام عالمي مثالي؟
يشير روديار كيبلينغ الحائز جائزة نوبل في كتابه The White Man’s Burden (عبء الرجل الأبيض) أن من مسؤولية العرق الأبيض المتفوق الأخلاقية أن يحتل أراضي يسكنها شعب "نصفه شيطان ونصفه إنسان" ويحكمه بطريقته الخاصة. كذلك ألمح إلى أن هدف الاستعمار الغربي والإمبريالية الأميركية لم يكن تكديس الثروات واكتساب النفوذ، بل تمدين المتوحشين وقيادتهم في عملية بناء مجتمع كبير. على نحو مماثل يتخذ النظام الصيني على عاتقه عبء توجيه العالم بأسره في مسعى مشترك للتوصل إلى نظام موحد، ومتناغم، وهادف، لكن وجه الاختلاف الأساسي يكمن في أن نوايا الصين حقيقية عموماً، فتعتقد بكين أن حضارتها المتفوقة تقدّم قيادة تتمتع بالمهارات الضرورية لتوجيه البشرية في عملية بناء نظام عالمي مثالي يدعوه الصينيون منذ القِدم "تيانكسيا".تُترجم "تيانكسيا" عموماً إلى "كل ما تحت السماء" في إشارة إلى توحّد كل بلدان الأرض وشعوبها، ويسير الحزب الشيوعي على خطى الأباطرة الصينيين، إذ يطمح إلى توحيد شعبه والمجتمع الدولي تحت مظلة النظام العالمي المشترك.تتوق الصين اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إثبات للعالم قدرتها واستعدادها لتكون قائداً عالمياً مسؤولاً يُعتمد عليه، وبإمكانه، على حد تعبير الرئيس شي جينبينغ، بناء "مجتمع عالمي يقدّم للبشرية مصيراً مشتركاً". ولتحقيق هذه الغاية عرضت الصين خلال قمة مجموعة الدول العشرين عام 2013 "خطة الصين"، وأعلن وزير الخارجية الصيني أن الصين تستطيع مع هذه الخطة تقديم المزيد من حكمتها وتوجيهها بغية بناء عالم سلمي ومزدهر ومتناعم بالتعاون مع أمم أخرى. وتدعم الصين كلماتها هذه بالأفعال، مطلقةً عدداً من المبادرات العالمية التي تهدف إلى تحقيق "مستقبل مزدهر للجميع"، ولعل أبرزها مبادرة الحزام والطريق.
تحت العنوان "رؤية وأعمال لبناء الحزام والطريق معاً"، تُعتبر مباردة الحزام والطريق "متناغمة وشاملة"، فهي مبادرة تروّج للتسامح بين الحضارات، تحترم مسارات التنمية وأنماطها التي تختارها الدول المختلفة، وتدعم الحوارات بين الحضارات المختلفة على أسس السعي للتوصل إلى قواسم مشتركة، والتغاضي عن أوجه الاختلاف، والاعتماد على نقاط قوة بعضنا بعضا، وذلك كي تتمكن كل الدول من التعايش معاً بسلام بغية تحقيق الازدهار المشترك. تشدد وسائل الإعلام الصينية باستمرار على طبيعة هذه المبادرة البناءة والعالمية من خلال بيانات وعناوين مثل "مبادرة الحزام والطريق تشكّل مساهمة أساسية في استقرار العالم والمساواة فيه" و"ربط العالم من خلال مبادرة الحزام والطريق". لكن الأكثر أهمية تشديد الصين على أنها قادرة على تقديم حلول مفيدة عالمياً لتحديات معقدة يواجهها العالم.لا تُعتبر مبادرة الحزام والطريق مجرد مبادرة اقتصادية ضخمة، فهي نموذج للعلاقات والحوكمة العالميتين، وتشكّل هذه المبادرة خريطة الطريق الصينية نحو تحقيق "تيانكسيا" موحد وتحويل فكرة "عالم واحد حلم واحد" إلى واقع. إنها دليل ملموس على أن الصين تضطلع بعبئها التاريخي بقيادة البشرية في بناء عالم موحد، ومتناغم، ومزدهر للجميع، أو هذا ما تدعيه الصين على الأقل.* «ناشونال إنترست»* باتريك ك. ميير