ما النفوذ الذي سيتمتع به مستشارو ترامب في السياسة الخارجية؟
تكثر التخمينات حيال مَن سيحظى بأعلى المناصب في إدارة ترامب، ويتركز الاهتمام خصوصاً حول الخيارات المحتملة لأبرز المناصب في مجالَي الأمن القومي والشؤون الخارجية، ويعود ذلك في جزء منه إلى الانقسام الكبير في مجال السياسة الخارجية الذي لاحظناه بين المرشح ترامب والمؤسسة الجمهورية.من هذه المناصب يُعتبر منصب وزير الخارجية، الذي يشكّل الوجه العام للسياسة الخارجية الأميركية، الأكثر أهمية، فقد يساهم وزير الخارجية المقبل في توجيه السياسة الأميركية، التي ستخضع على ما يبدو لعملية إعادة تفاوض في عهد ترامب.فضلاً عن أن التأثير في السياسة يؤدي المستشارون ومسؤولو الحكومة الرفيعو الشأن دوراً مهماً في إبراز حكمة سياسة الإدارة لمن هم خارجها، وخصوصاً الشعب وأعضاء الكونغرس.
تُظهر أبحاث كثيرة أن دعم سياسات اللجوء إلى القوة العسكرية يتراجع بشكل ملحوظ، لا سيما عندما يأتي سلوك الرؤساء مخالفاً لمواقف مستشاريهم العامة، لكن الشعب يعتبر استخدام القوة أكثر ملاءمة حين يتصرف الرؤساء وفق ما ينصحهم به مستشاروهم.على سبيل المثال إذا أيد أحد مسؤولي الحكومة، مثل رومني، علناً أو ضمناً سياسة إدارة ترامب، فلا شك أن الشعب والكونغرس سينظران إليها نظر أكثر إيجابية، وإن كانت الإدارة الجمهورية تُعتبر متشددة أو عدائية (مثل وجهات نظر ترامب وفلين من داعش خصوصاً)، فمن الجيد الحصول على تأييد مستشار يُعتبر عموماً أكثر تحفظاً. لا عجب في أن إدارة بوش أرسلت باول، وهو من أبرز المشككين في الحرب ضد العراق، ليكون متحدثها الرسمي في هذا الشأن. علاوة على ذلك، إذا عمدت شخصية مثل رومني إلى اختيار مستشارين في الفريق رفضوا سابقاً ترشيح ترامب، فقد تخبو الانتقادات التي تتعرض لها مؤسسة الحزب الجمهوري. في المقابل إذا خالفت شخصية المؤسسة سياسة الإدارة إلى درجة أنها عارضتها علانية أو استقالت من منصبها، فسيشكل هذا إشارة إلى وجود خطب ما، ولا يُعتبر تأثير نقاد الرئيس من الحزب المعارض بالأهمية الإعلامية ذاتها كما منتقديه من داخل حزبه. على نحو مماثل يمكن لانتقادات مسؤول في الإدارة مثل رومني أن تشكّل "جرس إنذار" يلفت نظر الكونغرس، والإعلام، والشعب الغافل عموماً إلى تطور ما في السياسة الخارجية. إذاً يتوقف الكثير على مدى استعداد شخصية في المؤسسة للتعبير عن رأيها بصراحة.علاوة على ذلك يحظى مسؤولو الحكومة باهتمام إعلامي كبير. ندرك من أبحاث كريستوفر ديرينغ والراحل لي سيغلمان أن "أوساط الحكومة الداخلية"، مثل وزارات الخارجية، والدفاع، والعدل، والخزانة، تنال الاهتمام الإعلامي الأكبر في الحكومة مع تربع وزير الخارجية على رأس هذه المجموعة. لكن أهم مَن قد يستمع إلى مستشاري السياسة الخارجية يبقى الرئيس نفسه، صحيح أن نفوذ الرئيس لطالما كان كبيراً في مجال السياسة الخارجية، غير أنه نما منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، ونظراً إلى افتقار ترامب إلى الخبرة في مجال السياسة الخارجية فمن المرجح أن يعتمد إلى حد كبير على مستشاريه، أو على الأقل على مَن يثق بهم من بينهم، ولا شك أن هذا سيمنح أولئك المستشارين نفوذاً كبيراً من دون إشراف يُذكر من الرئيس. افتقر رؤساء عدة إلى الخبرة في السياسة الخارجية، إلا أن افتقار ترامب إلى الخبرة، الذي يترافق مع تدني خبرة مستشاري حملته، فضلاً عن الشرخ بين ترامب ومؤسسة السياسة الخارجية الجمهورية، يجعل الوضع الراهن غريباً بالفعل.إذا أصبح فلين مستشار ترامب في مجال الأمن القومي فسيتمتع على الأرجح بنفوذ كبير، ورغم ذلك ستبقى تعيينات ترامب الأخرى بالغة الأهمية، حتى لو لم يكن لوزير الخارجية تأثير بارز في السياسة، ولكن كي يتمكن ترامب من ضم شخصيات المؤسسة إلى إدارته، فإن عليه خوض عملية مقايضة: تفرض الاستفادة من الخبرات والكفاءات مواجهة احتمال التعاطي مع مجموعة كبيرة من المراقبين والنقاد. فالتدقيق اليومي بسياسة البيت الأبيض، ونظرة الشعب والكونغرس إلى قرارات إدارة ترامب، وتفاعلات السياسة الخارجية اليومية في البيروقراطية، ونقل السياسة الخارجية إلى قادة العالم ستتأثر بالتأكيد بالفريق الذي سيشكله ترامب.* «واشنطن بوست»* إليزابيث ساندرز