«ساكسو بنك»: فوز ترامب لا يشكل خرقاً جوهرياً

السوق يراهن على سياساته المالية التوسعية... والطريق واضح أمام «الفدرالي»

نشر في 29-11-2016
آخر تحديث 29-11-2016 | 00:04
No Image Caption
لعل أثر دونالد ترامب الحقيقي، فيما هو أبعد من الارتفاع السطحي والمؤقت في مؤشرات أسواق الأسهم العالمية، هو أنه رفع توقعات المستثمرين بالتضخم. إذ يراهن السوق على أن سياساته المالية التوسعية وإجراءاته التجارية والضوابط التي سيفرضها على هجرة العمالة سترفع معدل التضخم إلى حد كبير أثناء فترة رئاسته.
السؤال الذي يتناقله العديد من المستثمرين هو ما إذا كان فوز دونالد ترامب يشكل خرقاً فعلياً من منظور الأسواق المالية. والجواب حتى الآن هو لا.

فحسب تقرير صادر عن "ساكسو بنك"، لا يستطيع أحد تحديد الإجراءات التي سيتخذها الرئيس المنتخب بعد تسلمه منصبه، ولا حتى هو نفسه. إلا أنه ومن أجل تحقيق برنامجه الإنعاشي القائم على النظرية الكينزية في الاقتصاد (500 مليار دولار أميركي تستهدف البنى التحتية)، فسيكون عليه تحمل المزيد من الديون الحكومية لتمويل ذلك البرنامج.

وفي ظل هذه الظروف، سيكون على ترامب بالتأكيد أن يحنث بوعده برفع الرسوم ضد الصين، لأن الدولة التي تعتبر المالك الرئيس لسندات الخزينة الأميركية (1157 مليار دولار كما في سبتمبر الماضي) قد تقرر خفض مشترياتها في حال اتخاذ خطوات عدائية بحقها من جانب الحكومة الأميركية.

إن مستوى الديون العالي الذي تتحمله الولايات المتحدة يجعلها معتمدة بشكل كبير على كرم المستثمرين الأجانب. وبالتالي، فإن تطبيق إجراءات حمائية على مستوى شامل هو أمر مستحيل. والسيناريو الذي يبدو الأكثر مصداقية هو رفع الرسوم لبعض المنتجات المستهدفة، الأمر الذي قد يرضي القاعدة الانتخابية لترامب، ويكون له ميزة تفادي الدخول في حرب تجارية مع آسيا.

كما أن إعادة مفاوضة بعض المعاهدات التجارية مثل اتفاقية نافتا (اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية) قد تكون خياراً آخر. إلا أن الولايات المتحدة ستغامر عندها بإعادة فتح صندوق باندورا، لأنهم ليسوا الوحيدين الذين لهم الحق في التجارة، بل المكسيك وكندا أيضاً.

لقد اختفى تأثير ترامب على الأسواق المالية بسرعة، كما كان متوقعاً.

والمثير للاهتمام هو أن إيطاليا وإسبانيا تبدوان أكثر عرضة للشعبوية من أي مجتمع غرب أوروبي آخر. فبعد فوز ترامب، ارتفعت عوائد السندات الإيطالية لمدة 10 سنوات بمقدار 35 نقطة مئوية، بينما ارتفعت عوائد السندات الإسبانية لعشر سنوات بمقدار 27 نقطة مئوية، قبل أن تتراجعا بشكل طفيف بعد ذلك.

وهذا مؤشر خطير لهاتين الدولتين، حيث إن الخطر السياسي يبقى عالياً جداً في أوروبا خلال الأشهر المقبلة، وذلك بسبب الاستفتاء الإيطالي والانتخابات الرئاسية في النمسا، اللذين سيحدثان في الرابع من ديسمبر، إضافة إلى الانتخابات العامة في هولندا في مارس 2017 التي ستؤدي إلى تقدم حزب الحرية برئاسة جريت وايلدرز.

أما بالنسبة إلى المناخ المالي، فهو لم يتغير بشكل كبير في الولايات المتحدة منذ التاسع من نوفمبر. فمازال كل من المؤشر القومي للأحوال المالية (NFCI) والمؤشر القومي المعدّل للأحوال المالية (ANFCI) الذي يعتبر أكثر موثوقية، كلاهما أقل من مستويات ديسمبر 2015 عندما رفع الاحتياطي الفيدرالي معدل الفائدة بمقدار 25 نقطة مئوية.

ولعل أثر ترامب الحقيقي، فيما هو أبعد من الارتفاع السطحي والمؤقت في مؤشرات أسواق الأسهم العالمية، هو أنه رفع توقعات المستثمرين بالتضخم. إذ يراهن السوق على أن سياسات ترامب المالية التوسعية وإجراءاته التجارية الحمائية والضوابط التي سيفرضها على هجرة العمالة سترفع من معدل التضخم إلى حد كبير أثناء فترة رئاسته.

ونتيجة لذلك، فقد ارتفع معدل التضخم الاتزاني للولايات المتحدة لشكل كبير خلال الأسابيع الأخيرة ليصل إلى 1.97 في المئة عند 3 سنوات، و2 في المئة عند 5 سنوات. وتؤيد توقعات التضخم على مدى السنوات الخمس المقبلة هذا التوجه حيث إنها ارتفعت من 2.14 في المئة في بداية نوفمبر إلى 2.46 في المئة في الوقت الحالي.

ويمكن المجادلة بأن أثر ترامب على التضخم يمكن ألا يحدث على الإطلاق، ولكن يجب ألا ننسى أن التوجه الضمني الذي يفسر معظم الزيادات في توقعات التضخم مرتبط في الحقيقة بأسعار السلع العالمية الأعلى (+0.58 في المئة في أكتوبر 2016، مقارنة بأكتوبر 2015) والخروج البطيء للصين من التضخم (وصل مؤشر سعر المنتج إلى +1.2 في المئة في أكتوبر مقارنة بالسنة السابقة).

السياسة النقدية

إن فوز ترامب لن يغير من قواعد اللعبة بالنسبة لسياسات النقد الأميركية. والفرصة مفتوحة أمام الاحتياطي الفدرالي حتى فبراير 2018، الذي هو نهاية فترة رئاسة جانيت يلين، كي يستمر برفع أسعار الفائدة. وليس هناك احتمال في تغيير يلين قبل هذا الموعد، فالرئيس الأميركي لا يمكنه استبدال عضو في اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة إلا بموجب مادتين فقط في القانون، أولاهما تستوجب حدوث "سوء تصرف خطير".

ولكن، وبالرغم من أن هذا البند القانوني يمكن تفسيره بعدة أوجه، إلا أنه لا يوجد ما يشير إلى أن يلين ارتكبت مثل هذا الجرم. أما الوسيلة الأخرى التي يمكن لترامب استخدامها هي الإبقاء على يلين كرئيس لمجلس المحافظين مع تقليص دوره.

ولتحقيق ذلك، لابد من تعديل تشريعات البنك المركزي، الأمر الذي يستوجب الحصول على أغلبية بسيطة في الكونغرس وموافقة الرئيس. ومع ذلك، ليس من المرجح أن يحصل مثل هذا القرار على تأييد الحزب الجمهوري.

وبالتالي، فإن عملية تطبيع سياسات النقد الأميركية لن تتأثر في الغالب بالتغييرات السياسية في واشنطن.

وقد يكون رفع معدلات الفائدة في ديسمبر (بمقدار قد يصل إلى 25 نقطة مئوية كحد أعلى) حدثاً غير مهم، لأن السوق قد استعد له بالفعل، وخاصة مؤشر الدولار الذي ارتفع بما يقارب 4 في المئة منذ نوفمبر.

وتؤكد كل البيانات (بما فيها قاعدة تايلور وتوقعات المستثمرين) أن الاحتياطي الفدرالي سيرفع معدلات الفائدة في اجتماعه المقبل. وتشير قاعدة تايلور (التي أثبتت فاعليتها كأداة للاحتياطي الفدرالي منذ أوائل التسعينيات) إلى أن الوسيط الوزني لمعدل الفائدة يجب أن يكون أعلى من 2 في المئة بقليل في نهاية فترة رئاسة يلين.

back to top