ماذا يعني انتخاب ترامب يالنسبة إلى الشرق الأوسط؟ اجتمع عدد من وزراء الخارجية وخبراء السياسة البارزين قبل أيام لمناقشة تداعيات الانتخابات بالنسبة إلى المنطقة الأكثر تقلباً في العالم.

يقيم هذا اللقاء، الذي يُعرَف بمنتدى "السير بني ياس"، كل سنة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، وبما أن التعليقات لم تُعزَ إلى أشخاص محددين فلن أذكر أسماء المشاركين، إلا أن هذا الاجتماع ضمّ ممثلين عن كل الدول العربية تقريباً، فضلاً عن الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، والأمم المتحدة.

Ad

نظراً إلى ضآلة سجل الرئيس المنتخب ركّز محاضرون كثر على خصال شخصيته الواضحة، فشدد أحدهم على أن ترامب رجل تافه بكل وضوح، لذلك علينا مدحه، كما فعل عدد كبير من قادة العالم في اتصالاتهم معه منذ الثامن من نوفمبر، وأكّد آخر أن ترامب متقلّب لذلك من الضروري تفادي الضغط عليه بقوة، وأشار ثالث إلى أنه يميل إلى التفاوض (يعتبر نفسه "صانع الصفقات")، لذلك علينا أن نبحث عن صفقات تخدم مصالح المنطقة.

لكن اللافت للنظر أن تنديد ترامب بالتجارة لم يستقطب تعليقات كثيرة، مع أن الإمارات العربية المتحدة تشكّل رمز العولمة، كذلك لم نسمع أي انتقاد لتعليقاته المناهضة للإسلام.

ربما يشكك الناس في هذه الدول التجارية في قدرة ترامب على عكس زخم التجارة العالمية المتنوعة والمتعددة الثقافات حتى لو أراد ذلك، وتتحرك هذه القوة المتنامية بسرعة كبيرة جداً: خلال عشاء أقامه على هامش هذا اللقاء قطب الإعلام الأفغاني سعد محسني، التقيت مقاولين شباناً يستثمرون في شبكة لوجستية في شمال إفريقيا سوبر ماركات سعودية، وشبكات طاقة في جنوب آسيا، وعددا من المشاريع الأخرى.

حظيت مسألتان تواجهان ترامب باهتمام خاص خلال مناقشات منتدى "السير بني ياس":

شكّلت الصفقة النووية الإيرانية المعضلة الأولى، إذ أكّد ترامب خلال حملته أنه سيقوّض هذا الاتفاق أو يعيد التفاض بشأنه، إلا أننا شهدنا في هذا المنتدى إجماعاً شبه كامل على ضرورة أن يقبَل ترامب بهذا الاتفاق على حاله، وأن يركّز بدلاً من ذلك على الحد من سلوك إيران العدائي في المنطقة. واللافت للنظر أن مؤيدي هذه الفكرة شملوا أيضاً مسؤولين كانوا من بين أبرز منتقدي الصفقة الإيرانية.

ذكر أحد المسؤولين البارزين في الخليج العربي: "لا يقدِم على تقويض هذا الاتفاق إلا شخص يريد أن يرسلنا نحو المجهول"، وأضاف آخر بعد أن انتقد بحدة طريقة التفاوض بشأن هذه الصفقة: "لا يعارض أحد هذه الصفقة بحق".

في المقابل عبّر كثيرون في هذه المجموعة عن أملهم أن يتبنى ترامب موقفاً أكثر تشدداً في مواجهة الاستفزازات الإيرانية. أعلن ترامب خلال حملته أنه سيفجر المراكب الحربية الإيرانية في الماء، إن حاولت مضايقة سفن البحرية الأميركية في الخليج العربي، ويمثل هذا نموذجاً عن المواقف الحازمة التي يأمل العرب في الخليج العربي رؤيتها في التعامل مع إيران.

شكّل استعداد ترامب للتحالف مع روسيا في المسألة السورية المعضلة الكبيرة والشاملة الثانية، ودعم عدد كبير من المسؤولين العرب في هذا المنتدى المعارضة السورية في مواجهتها بشار الأسد، لذلك قد تفترضُ أن أي إشارة إلى إمكان تحالف ترامب مع موسكو ستثير تنديداً حاداً، ولكن في الشرق الأوسط يُمنح الدعم السياسي للفائز، وفي سورية تبدو روسيا اليوم اللاعب الأقوى.

تحدث ممثلو المعارض السورية بحزن عن كلفة التدخل الروسي البشرية، وشددوا على أن سقوط حلب سيعني حرباً دائمة، ولكن هل يؤدي الحوار الروسي-الأميركي الجديد (الذي سيشمل إيران، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، وغيرها من اللاعبين في الشرق الأوسط) إلى نشر الاستقرار في المنطقة وتهدئة حروبها الطائفية المستعرة؟ تناول محاضرون عدة هذا الاحتمال.

أشارت إحدى الشخصيات من الخليج العربي إلى أهمية هذا التعاون بين الأمم، التي قد تشمل الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، فضلاً عن القوى الإقليمية، وتذكّر خبير أميركي مؤتمر عقد السلام في مدريد عام 1991 عقب نهاية الحرب الباردة، في حين أتى خبير روسي على ذكر مؤتمر فيينا عام 1815 الذي نشر السلام في أوروبا المجزأة.

كما جمع دون كورليوني "العائلات الخمس" في "العراب"، كذلك قد يجمع ترامب والرئيس الروسي بوتين الولايات المتحدة، وروسيا، وتركيا، وإيران، والمملكة العربية السعودية، لكن الخبراء حذروا من تكرار "مؤتمر يالطا الثاني": محاولة أميركية-روسية جديدة لتحديد "نطق النفوذ" قد ترسم معالم المنطقة.

إذاً، لم يقدّم هذا المنتدى أجوبة عن الحياة في عالم ترامب الجديد، بل أثار الكثير من التساؤلات المحيرة.

* ديفيد إغناتيوس | David Ignatius