على نحو غير عادي، جرى إقرار قانون الحشد الشعبي الذي يراد له أن ينظم عمل الميليشيات الشيعية التي تقاتل داعش، إذ لم يحظ بنقاش مستفيض ولا توافق، وأقر بأغلبية شيعية تسندها كتل صغيرة سنية وكردية خالفت مرجعياتها السياسية، والآلية أربكت الجميع، حتى أن الصحافة نشرت ثلاث مسودات أو أربعاً متناقضة للتشريع نتيجة التعديلات الجذرية التي ظلت تدخل عليه حتى اللحظة الأخيرة.وبحسب القانون الجديد، سيصبح الحشد جهازا عسكريا مستقلا عن الوزارات الامنية ويرتبط برئيس الوزراء، الذي سيحدد لاحقا وضعه التنظيمي ويضع قواعد عمله.
وكانت أجواء الاسابيع الماضية تشير الى ان مرجعية النجف تريد اتخاذ قرار بحل الحشد الشعبي، عبر فتوى دينية بعد انتهاء معركة الموصل، لأن الفصائل تعاظمت قوتها وصارت تهدد الدولة، ويميل نحو نصفها الى طهران، وبلغ عديدها نحو ١٠٠ الف مقاتل، وحين علمت طهران بنوايا المرجعية العليا لآية الله السيستاني قدمت مسودة لقانون خطير يعتبر الحشد جهازا عسكريا رسميا، ويمنحه صلاحيات واسعة، ولذلك ساد شعور بأن القانون لن يمر، ثم فوجئ المراقبون بإقراره بسرعة نهار السبت الماضي، ليظهر لاحقا ان التصويت حصل على مسودة جديدة معدلة ويقال ان بإمكانها تقييد الميليشيات حقا، وليظهر بعد ذلك ان نوابا مقربين جدا من مرجعية النجف هم الذين جاؤوا بالمسودة البديلة ونجحوا في استبعاد الصياغة الايرانية.وأدى إقرار القانون الى شيوع قلق شديد بين التيارات العلمانية ومعظم السنة والأكراد، لأن شرعنة الفصائل المتشددة بهذه الطريقة أمر يحمل رسالة خطر مؤكدة على سيادة الدولة نفسها، بل ان رئيس الحكومة حيدر العبادي نفسه طلب وقتا اضافيا لدراسة القانون، لكن طلبه تعرض للاهمال.الا ان الجناح الشيعي المعتدل يدافع عن الصيغة الاخيرة للقانون قائلا انها قابلة لبعض التعديلات لاحقا، وستمنح العبادي فرصة ان يصوغ النظام والهيكل العام للفصائل بنحو يقوم بتذويبها وتقليص عديدها من نحو ١٠٠ ألف الى ٣٠، ويخفض تسليحها ويجعلها منضبطة عسكريا.أما المعارضون للقانون فيتساءلون: من سيضمن تطبيق فقراته المحرجة، من قبيل ان المقاتلين داخل جهاز الحشد يجب ألا يكونوا جناحا مسلحا لفصيل ينشط سياسيا، إذ كيف يتخلى امراء الحرب عن مقاتليهم، او كيف يتخلون عن مكاسبهم السياسية والاقتصادية، ويتساءل المعارضون أيضا عن الميليشيات التي تقاتل في سورية، فهل ستصبح رسمية وقانونية وهي في سورية، وهل سيعني ذلك ان العراق الحكومي يشارك في الحرب السورية وربما اليمنية لاحقا؟أما الاحزاب السنية فهي قلقة لأن آلافا من المقاتلين السنة سيكونون داخل جهاز الحشد، لكنهم سنة موالون لطهران وقد يجري استخدامهم لاحقا بعد تأهيل قتالي عال، لتقييد الساسة المعارضين لطهران في المحافظات السنية.ويقول الأكراد إن وجود بعض السنة في جهاز الحشد لا ينفي أنه بأغلبية شيعية طاغية، ولذلك فإنه قوة تمثل المكون الشيعي كما ان البيشمركة قوة مسلحة تمثل المكون الكردي، ما قد يستدعي في المستقبل انشاء قوة قتالية تمثل المحافظات السنية طبقا لمقترحات سابقة، وهو تقسيم رسمي للبلاد الى ثلاثة أقاليم.
دوليات
«قانون الحشد»... مسودة النجف ألغت سيناريو طهران
29-11-2016