في الثامن من مايو عام 1967، رسا مركبان صغيران يحملان 12 مقاتلاً مدججين بالسلاح قرب ماتشوروكوتو، قرية صيد صغيرة شرق كاراكاس في فنزويلا، كانوا يخططون للسير في فنزويلا وتجنيد الفلاحين الفنزويليين بهدف إشعال ثورة اشتراكية.

كان هؤلاء الفنزويليون الثمانية والكوبيون الأربعة، الذين شاركوا في هذه المغامرة المجنونة، ينفذون مهمة أوكلها إليهم فيدل كاسترو. في تلك المرحلة كانت الاضطرابات الكوبية تشهد ذروته في الخارج مع انتشار خلايا الميليشيات المدعومة من كوبا في مختلف أنحاء أميركا اللاتينية.

Ad

لكن الحظ لم يحالف المقاتلين الذين أُرسلوا إلى ماتشوروكوتو، فقد عثر صيادون محليون على مركبيهما المهجورين وأبلغا الجيش الفنزويلي لتلي ذلك معركة شرسة طوال الليل، وبعد مرور 72 ساعة على نزولهم على الشاطئ الفنزويلي، كان تسعة من المقاتلين قد قُتلوا، واثنان اعتُقلوا، وواحد فقط تمكن من الفرار.

شكّل هذا الغزوَ العسكري الأجنبي الأول والوحيد لفنزويلا خلال المئة سنة الماضية، ولم تدُم هذه المعمعة سوى ثلاثة أيام.

شكّلت حادثة ماتشوروكوتو، كما صارت هذه التطورات تُعرف، الإشارة الأولى إلى هوس كاسترو طوال عقود بنقل الثورة الاشتراكية إلى فنزويلا، فبما أن هذه الأخيرة تملك الثقافة الكاريبية ذاتها وتتمتع بثروة كبيرة من النفط، تحوّلت إلى هدف أثار اهتمام فيدل منذ البداية.

أتت فرصته الكبرى بعد نحو ثلاثة عقود، في شهر ديسمبر عام 1994 عندما سافر مقدّم فنزويلي خرج لتوه من السجن، بعد أن أمضى فيه سنتين عقب فشل محاولة الانقلاب التي نفذها، إلى هافانا ليحظى باستقبال الأبطال.

بما أنه كان متآمراً سرياً على غرار كامل جيله ممن يطمحون إلى الثورة في أميركا اللاتينية، عشق هوغو تشافيز فيدل كاسترو، ونمت بين هذين الرجلين صداقة قوية جداً.

في عام 1998، انتُخب صديق كاسترو هذا، رغم كل الظروف المعاكسة، ليصبح رئيس فنزويلا، وهكذا عادت الحياة لتنبض في حلم ماتشوروكوتو. بنى هذان الرجلان معاً علاقة لصيقة لم يسبق لها مثيل، ففي عام 2007، أعلن تشافيز أن كوبا وفنزويلا أمة واحدة. قال: "نشكّل في أعماقنا حكومة واحدة".

كان التغلغل الكوبي في مؤسسات الدولة الفنزويلية، العسكرية منها والمدنية، كاملاً مع مراقبة "المستشارين" الكوبيين كل مكتب، ومعهد، ووزارة، وثكنة، وسفارة تابعة للدولة الفنزويلية. أدت شبكة التجسس هذه، التي كانت تنقل تقاريرها مباشرةً إلى هافانا، إلى وضع غريب حظي خلاله كاسترو بصورة استخباراتية أكثر وضوحاً عما كان يدور داخل فنزويلا، مقارنة بالحكومة الفنزويلية نفسها. وقد وثق تشافيز بجواسيس كاسترو أكثر من ثقته برجاله.

ثمة قول واحد كان كاسترو متمسكاً به طوال حياته، ألا وهو: المعرفة قوة. فبما أن الكوبيين عرفوا أن تشافيز سيموت من جراء إصابته بمرض السرطان قبل أشهر من أي شخص آخر، تمكنوا من التلاعب بفاعلية بالتطورات ومارسوا نفوذهم لاختيار خلفه.

عرف الجميع مَن كان المفضل لدى كاسترو: صحيح أن نيكولاس مادورو سياسي باهت يفتقر إلى الجاذبية، إلا أنه من أبرز أنصار سياسة كاسترو. ترقى مادورو، الذي كان سابقاً منظِّماً متشدداً في اتحاد الحافلات، في صفوف الحزب الاشتراكي الموحد، وهو حزب صغير مناضل موالٍ لكوبا انضم إليه عندما كان مراهقاً. لم يتلقَّ مادورو أي تعليم جامعي إلا في عامَي 1986 و1987 حين خضع في الرابعة والعشرين من عمره لتدريب عقائدي مكثّف في مدرسة التدريب السياسي في كوبا إلى جانب ناشطين شيوعيين من سبع دول أخرى في أميركا اللاتينية.

طوال السنوات التي تبوأ فيها مادورو منصب وزير الخارجية في عهد تشافيز، لم يحد قيد أنملة عن خط هافانا، لذلك اعتبره كاسترو الرجل الذي يستطيع الوثوق به لصون مصالح كوبا في فنزويلا عقب وفاة تشافيز، وهكذا نجح في خلف تشافيز.

في التاريخ الطويل لسجل كاسترو الحافل بالمغامرات الدولية من نيكاراغوا وبوليفيا إلى الكونغو وأنغولا وإسرائيل وغيرها، لا تشكّل فنزويلا سوى فصل واحد.

صحيح أن النجاح في هذا الفصل تأخر، ولكن عندما حلّ، جاء كاملاً، ففي يوم وفاته ترك كاسترو فنزويلا بالصورة التي حلم بها منذ شبابه: دولة تفتقر بالكامل إلى الحرية ومكبلة إلى حاكم مستبد ماركسي خاضع تماماً لمصالح كوبا.

وهكذا تحوّل الحكم الدكتاتوري في فنزويلا إلى انتصار كاسترو الأعظم في مجال السياسة الخارجية وعماد إرثه في نصف الكرة الأرضية هذا.

* «واشنطن بوست»

* فرانسيسكو تورو*