"شر البلية ما يضحك"، فبينما كانت الطائرات الروسية تهاجم مدينة حلب وتقصفها بالصواريخ الفراغية المدمرة، وبينما كانت القطعان والشراذم الطائفية، وفي مقدمتها حزب الله اللبناني، تطارد - كالذئاب المسعورة - سكان الجهة الشرقية من هذه المدينة، لم يجد وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون ما يفعله إلا أن أطلق تصريحاً "مدوياً" ناشد فيه روسيا وإيران "استخدام نفوذهما" لإلزام نظام بشار الأسد بوقف إطلاق النار، وهذا ما فعله أيضاً الناطق باسم الخارجية الأميركية.

كان المفترض أن يكون هناك تدخل دولي مبكر، من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أيضاً، لفرض وقف إطلاق النار في هذه المدينة الباسلة التي صمدت في وجوه الطغاة نحو أربع سنوات وأكثر، وكان المفترض بدلا من هذا الاستجداء البائس أن يطلق الأميركيون والبريطانيون تحذيراً يرافقه التلويح الفعلي بالقوة، أما ألا تجد "القوى العظمى"، ومعها المجتمع الدولي بأسره، سوى "التذلل" للروس والإيرانيين، فإن هذه هي الطامة الكبرى، ولن يفهمه القتلة والطغاة إلا على أنه تشجيع لهم على الاستمرار في تدمير هذه المدينة التاريخية، وذبح أطفالها بالغازات السامة والقنابل والصواريخ الفراغية المدمرة، وتشتيت أهلها في رياح الأرض.

Ad

إن ما جرى في حلب قبل يومين، وقبل ذلك بكثير، كان "مؤامرة" واضحة وضوح الشمس، فالكل سمع مطالبات الذين من المفترض أنهم "أصدقاء"! بانسحاب المقاتلين من حلب الشرقية، بحجة أنهم ينتمون لتنظيم إرهابي هو جبهة النصرة، وذلك مع أنه ثبت بالأدلة القاطعة أنه لا وجود لهذا التنظيم في هذه المدينة كلها، ثم إن الكل رأى كيف تم إشغال الجيش الحر، بعد سحبه من مواقعه القتالية، بمواجهة إرهابيي "داعش" على الحدود التركية – السورية، وكل هذا في حين لم يكن هناك تعزيز للمدافعين عن "الشهباء"، منذ أن بدأ التحشيد العدواني لاجتياح جهتها الشرقية.

وهنا فإنه لابد من التساؤل: هل صحيح يا ترى أن الولايات المتحدة ومعها بريطانيا لا تملك ما تفعله إزاء هذا الذي جرى ولايزال يجري في حلب إلا الاستجداء والطلب من روسيا وإيران استخدام نفوذهما لإلزام نظام الأسد بوقف لإطلاق النار، وكـ "المستجير من الرمضاء بالنار"، و"أنت الخصم والحكم"، وكأن المشكلة منذ البدايات وحتى الآن ليست في هذا النظام الذي أصيب بالانهيار منذ اللحظات الأولى، بل في الروس والإيرانيين الذين يسعون لإيجاد مواطئ أقدام لهم في هذه المنطقة التي لم يسعف الرئيس الأميركي (الراحل) أوباما "إدراكه"، عندما وصفها بأنها لم تعد منطقة مصالح حيوية أميركية!

وكل هذا التصعيد في اليمن الذي ترافق مع اجتياح المنطقة الشرقية من حلب يؤكد كل ما قيل عن أن إيران تسعى، ليس على المدى البعيد، بل على المدى القريب، للهيمنة على كل دول شرقي البحر الأبيض المتوسط العربية، بعدما هيمنت فعلياً حتى الآن على العراق وسورية ولبنان، وبينما هي تحاول الآن استكمال هيمنتها على اليمن الذي كان ذات يوم سعيداً.

ولذلك، فإنه يجب على كل من يعنيهم ويهمهم هذا الأمر أن يدركوا أن حلب هي آخر قلاع التصدي للهيمنة الإيرانية الزاحفة، وأن سقوطها في أيدي الإيرانيين سيتبعه سقوط قلاع عربية كثيرة.