أسطورة المطر!

نشر في 01-12-2016
آخر تحديث 01-12-2016 | 00:00
 مسفر الدوسري المطر لا يهطل عشوائياً، أو أينما رمته الريح من راحلتها المكونة من سرب غيوم، وهو لا يوزع غيثه بطاقات أعياد تبعاً لنشرات الأرصاد الجوية و"روزنامتهم" المعلقة على حائط معرفتنا البشرية بسلوك الطبيعة، المطر يتصرف بطريقة مغايرة تماما، إنه يتصرف بحكمة مذنب يدفع ثمن اللعنة!

تقول الأسطورة إن المطر كان ملاكاً، إلا أنه ارتكب ذنباً اختلفت في تحديده الحكايات، فأتى للإله نادماً راكعاً تحت عرشه يكاد يذوب من شدة الخوف والأسى، لارتكاب ذلك الذنب، وظل ذاك الملاك يبكي والإله صامتا والملائكة الآخرون ساجدين خاشعين، ولا شيء يُسمع في ذاك المجلس المهيب سوى نشيج ذلك الملاك المذنب ونحيبه وتمتماته، ورويدا رويدا يُسمع صوت تساقط الدموع ويغطي أكثر على كل الأصوات الأخرى إلى أن يملأ كل ثغرات السكون، وإذ بصوت ليس كأي صوت، لا يُسمع فقط، لكنه يُرى أيضاً ويحتل الصدارة فيما تبقى في الحواس يقول:

"انظروا".

فيرفع بقية الملائكة أنظارهم وهم ساجدون، لا يغيّرون من وضعهم مقدار شعرة، فيلمحون بأبصارهم الملاك المذنب من كثرة البكاء وقد تحول إلى كتلة سائل غريبة الشكل تحوي البشاعة والجمال معاً! لها ملامح قاسية وحنونة في ذات الوقت.

وإذ بذات الصوت المهيب يقول:

اتلُ حجتك لطلب الغفران!

فترد كتلة السائل:

أنا المعترف بذنبي، ولا عذر لي سوى الأمل برحمتك، وما سأعمله من صالح الأعمال إن أمهلتني!

من حينها وتلك الكتلة ملاك مشرّد بين السماء والأرض بلا مستقر،

ولعلمه أن الجفاف أحد المسجلين في قائمة الشياطين الأكثر سوءا لدى الملائكة عندما كان بينهم، اتخذ الملاك المعاقب لذاته اسم: المطر، ناذراً ما تبقى من العمر له محارباً شيطان الجفاف، متجولا في الفضاء بلا سكن، ساحبا خلفه قافلة من سرب غيوم، فإذا ما كسب المطر في هذه الحرب معركة، انتزع من الجفاف رقعة من الأرض، وإذا فاز الجفاف في تلك المعركة انتزع من المطر غيمة، ومن تعقيدات الصراع بينهما أن ساحتها الأرض، وهي موطن الجفاف، في حين أن المطر لا أرض له ولا سماء، فهو الملاك الضال إلى حين، والمعاقب بالحنين، انه بحكم المفرج عنهم بعض الوقت بكفالة، فيحاولون استغلال "بعض الوقت" هذا بالتكفير عن خطاياهم التي اقترفوها سابقاً لعل ذلك يشفع!

وكان المطر إذا ما غنم من الجفاف أرضا حاول التكفير عمّا ارتكبه من ذنب حينما كان ملاكاً، من خلال تلك الغنيمة ويبعث في الأرض الحياة.

هذه هي أسطورة المطر كما روتها إحدى النخلات لحفيدتها، قبل أن تميل برأسها لحفيدتها متلثمة بسعفها، مخفية سحر ابتسامة ما زالت خضراء، هامسة في أذن حفيدتها ومختتمة أسطورة المطر بلؤم:

"أظن أن ملاكنا هذا بشر، فهو لم يتخلّص من شهوة الذنب بعد"!

back to top