تعاظمت علامات الاستفهام حول مستقبل الوثيقة الاقتصادية المعروفة بوثيقة الإصلاح الاقتصادي والمالي، بعد أن بينت نتائج انتخابات مجلس الأمة وجود درجة عالية من الرفض والانتقاد للوثيقة كانت واضحة في الحملات الانتخابية للعديد من النواب الفائزين.

وإذا كان أصغر ملفات الوثيقة الاقتصادية المتعلق بزيادة اسعار البنزين قد أثار درجة معينة من المواجهة السياسية في مجلس الأمة السابق الذي تميز بضعف التعامل مع العديد من الملفات المهمة فإن استكمال بعض محاور الوثيقة كخصخصة القطاع العام والنفطي أو فرض الضرائب، لا سيما ضريبة القيمة المضافة، او اعادة هيكلة الدعوم، مع المجلس الجديد الذي يتوقع أن يكون اكثر شدة من سابقه، سيؤدي الى مواجهة لا تريدها الحكومة الجديدة.

Ad

ومن المؤشرات التي تبين الصعوبات التي تواجه الوثيقة طرح وزارة المالية استبيانا للجمهور عن توجهات الوثيقة بعد اقرارها بثمانية أشهر، مما يعطي انطباعا بإمكانية تعديلها في المستقبل القريب.

وفي الحقيقية، فإن رفض محاور الوثيقة لا يعد شأنا انتخابيا او شعبيا، بل ان العديد من محاورها بحاجة الى تعديلات جذرية وإعادة هيكلة لعدد من الافكار الرئيسية فيها، فمثلا هناك افراط في الرهان على الخصخصة في قطاعات أساسية تصل الى القطاع النفطي والتعليم والصحة، مع أن الجهاز التنفيذي للدولة ليس لديه أصلا تجربة في خصخصة حتى قطاعات صغيرة ومتوسطة كالبريد أو الاندية الرياضية او المشروعات السياحية، فضلا عن تركيزها على تحميل المجتمع

آثار العجز في الميزانية وحصص تمويلها عبر تسريع خطوات ترشيد الدعوم على حساب تطبيق ضريبة الأعمال على أرباح الشركات بواقع 10 في المئة لما بعد عامين من إقرار القانون الخاص بالضريبة، ومن دون أن تسمي حتى موعدا لإقرار القانون!

كذلك لم تراع الوثيقة العديد من الاحتياجات الخاصة بالاقتصاد الكويتي، فهي لم تهتم بفرص العمل التي من المتوقع ان تكون خلال السنوات المقبلة احد اكبر التحديات الاقتصادية والاجتماعية في الكويت عبر دخول ما يقارب 20 الف طالب عمل للسوق سنويا، وتحدثت فقط عن فرص عمل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بما يناهز 3000 فرصة عمل خلال 4 سنوات دون حتى بيان الإجراءات التنفيذية لها، فضلا عن النظر للآثار التضخمية المتوقعة لاجراءات إعادة تسعير السلع والخدمات والتي قدرها صندوق النقد الدولي بـ 4.5 في المئة في عام 2017، بعد أن كانت بحدود 3 في المئة قبل ارتفاع اسعار البنزين.

تعديل الوثيقة يجب ان يخضع لمعايير ما بين متوسطة الى بعيدة الأجل تبدأ باتخاذ اجراءات من شأنها وقف الهدر في الانفاق العام، أبرزها اعادة هيكلة الإنفاق على المناقصات والمشروعات الكبرى التي لا تحقق عوائد اقتصادية للدولة كتمويل الميزانية او توفير فرص العمل، وهو إجراء اتخذته السعودية مطلع نوفمبر الماضي، إذ أوقفت التعاقد على تنفيذ مشاريع عديدة تصل قيمتها إلى (266 مليار دولار) لأن "حجم الإنفاق عليها لا يتناسب مع العائد الاقتصادي والتنموي المتوقع"، وبالتالي يمكن للكويت أن تتخذ مثل هذا الاجراء الدفاعي لمصلحة الانفاق العام، خصوصا أن جانبا مهما من المشاريع الكويتية التي يصل عددها في خطة التنمية إلى نحو 500 مشروع وتكلفتها الاجمالية 140 مليار دولار، لا يصب في مصلحة الأهداف الخاصة بتنمية الايرادات غير النفطية او تنويع سوق العمل.

من المهم أن تتضمن الوثيقة الاقتصادية آلية لتمويل الميزانية العامة للدولة من إيرادات الاستثمار، مع ترشيد التوجه لسوق الاستدانة العالمي مع جمع الاستثمارات السيادية كصندوق الاحتياطي العام وصندوق احتياطي الاجيال واستثمارات مؤسسة البترول الكويتية وبنك الكويت المركزي والصندوق الكويتي للتنمية تحت مظلة ادارة استثمار سيادي واحدة وشفافة تقدم المعلومات حول نتائجها للرأي العام، كي يتمكن من نقدها وتقييم ادائها مع ربط هذا الأداء بتمويل الميزانية وسداد جزء من العجز المالي السنوي.

الأهم أن تتجه اهداف وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي نحو اعادة تسعير السلع والخدمات بهدف ترشيد وخفض الاستهلاك لا لتمويل الميزانية أو سداد العجز، إذ إن خفض الاستهلاك بحد ذاته عبر وضع اسعار تراعي التضخم المتوقع الى جانب حوافز لمن يقوم بالاستهلاك الرشيد، خصوصا للكهرباء والماء، سيؤدي دون شك الى خفض التكلفة النهائية على الدولة، مع الأخذ بعين الاعتبار تطوير استخدام الطاقة غير التقليدية كالشمسية والرياح لخفض التكلفة.

هذه الاجراءات يجب أن يواكبها مشاريع طويلة الأمد تستهدف جلب استثمارات أجنبية وتحفز المحلية لتوفر عوائد ضريبية للأعمال، فضلا عن توفير فرص العمل في القطاع الخاص مع التركيز على اعادة التوازن لو جزئيا للتركيبة السكانية، ويكون إعلان نتائج الأداء للوثيقة وتعديلاتها بشكل ربع سنوي، كي لا تواجه مصير خطة التنمية الاولى التي تبين فشل تنفيذها بعد 4 سنوات من العمل فيها.

لا شك أن الكويت بحاجة إلى الاصلاح الاقتصادي والمالي بغض النظر عن ضغط مجلس الامة من عدمه، الا ان هذا الاصلاح يجب ان يتسم أولا بالقدرة على التنفيذ التي ترتبط بكفاءة اختيار الحكومة الجديدة، والتي لا توجد حتى هذه اللحظة اي مؤشرات ايجابية على امكانية التغيير الذي ينعكس على قدرات افضل في التنفيذ.