... مازلنا داخل الصندوق!
لم تكن لدي توقعات كبيرة في انتخابات 2016، أو التي قبلها، لوجود قناعة لدي بأن الانتخابات في الكويت تحولت إلى مناسبة اجتماعية تتصارع فيها العصبيات بكل أنواعها، ومراكز النفوذ التي تمسك بكل خيوط اللعبة وتحدد إطارها وشروطها، وفقاً لمصالحها، دون أهداف وطنية تسعى إلى الإصلاح وتحقيق العدالة الاجتماعية، وعندما يخرج الأداء عما تريده قوى النفوذ والمصالح ترفع الكارت الأحمر و"فركش" - حسب وصف إخوانا المصريين - وتعالوا نلعب من الأول!حالة الجمود السياسي في الكويت الناتجة عن عدم تطوير دستور 1962 تجعل اللعبة البرلمانية لمصلحة فريق واحد ومن يتحالف معه أو يؤيده، وبغض النظر عن نتائج الانتخابات فإن السلطة هي التي تقرر من هو رئيس مجلس الأمة، وهي التي تشكل الحكومة، وهي التي تطلق صافرة نهاية المباراة في أي وقت تشاء، لتعيد اللعبة من البداية، ويهرع الناس إلى صناديق الانتخابات مرة أخرى في مشهد عبثي تسبقه كل آفات الفساد الانتخابي، من نعرات طائفية وقبلية وبيع وشراء لا يمكن ضبطه أو منعه، في ظل رفض متعمد لقانون ضبط ومراقبة الإنفاق الانتخابي.بعد تحرير البلاد في 1991، وعودة الحياة البرلمانية عبر انتخابات أكتوبر 1992، كانت هناك آمال شعبية كبيرة بتطوير ديمقراطي كبير في الكويت، لكن المناوئين لذلك تمكنوا من استغلال التحولات الاجتماعية لتخريب أي جهد في سبيل ذلك، بسبب التخندق الطائفي نتيجة للانخراط الديني في السياسة والتحولات الديموغرافية التي عززت النوازع القبلية والمناطقية، وتعاظم الفساد بسبب قضايا سرقات المال العام والمناقصات والخلط الهائل للمال بالسلطة الذي تصاعد بشكل هائل بعد التحرير.
البعض سيحتفل ويردد أن الانتخابات الحالية شهدت نجاح عدد من الشباب، وهذا الأمر ليس جديداً فقد نجحت كوكبة كبيرة من الشباب منذ انتخابات 2003، وأستطيع أن أذكر عدداً كبيراً من أسماء الشباب الذين فازوا بكراسي نيابية منذ ذلك التاريخ، لكن لا يوجد متسع لذلك، ولكنهم استسلموا بعد محاولات غير مجدية للتغيير، وانخرطوا في واقع اللعبة السياسية الكويتية بمحدداتها وضوابطها من مواقع النفوذ والسلطة والمال والعصبيات الدينية والعمل الفردي، وبعضهم انطلق لتحقيق المنافع الشخصية.الواقع أنه لا يوجد تغيير وأننا مازلنا داخل الصندوق، وبدون حركة شعبية فكرية مدنية تحيد الاختيار السياسي على الأسس الدينية والقبلية، وتقلص تأثير سلطة المال والنفوذ على الناخبين، وتدعو إلى حالة إصلاح وتغيير شاملة تنطلق من خارج المؤسسة البرلمانية، فإننا سنظل لسنوات طويلة مقبلة نراوح في أماكننا، ونستهلك جهوداً ووقتاً في انتخابات وأداء تمثيلي لعملية ديمقراطية مفترضة.*** ملاحظة مهمة في هذه الانتخابات أن نظام الصوت الواحد أثبت كفاءته في توسيع تمثيل كل فئات المجتمع بمجلس الأمة، وتفكيك احتكار التجمعات القبلية والطائفية على معظم مقاعد بعض الدوائر.