على وقع تحذيرات الأمم المتحدة من تحول ثاني أكبر مدن سورية إلى "مقبرة ضخمة"، نشر نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أمس، المئات من جنوده استعداداً لاجتياح الأحياء الأكثر اكتظاظاً بالسكان في حلب الشرقية وتسريع سقوط معقل المعارضة التي لجأت إلى توحيد جميع مكوناتها في تحالف واحد سمته "جيش حلب".

وبحسب مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن، فإن النظام يعمل على تضييق الخناق على ما تبقى للمعارضة ونشر مئات من جنود الحرس الجمهوري ومن الفرقة الرابعة "تمهيداً لحرب شوارع" في المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان، مؤكداً أنهم "يتقدمون لكنهم يخشون الكمائن في تلك المناطق بسبب كثافة السكان والمقاتلين".

Ad

وبعد 15 يوماً على بدء هجوم واسع لاستعادة كامل مدينة حلب، أصبحت قوات النظام المدعومة بمقاتلين أجانب تسيطر على 40 في المئة من حلب الشرقية، وباتت تتقدم شرقاً في محيط كرم الجزماتي وجنوباً في حي الشيخ سعيد الشاسع المساحة، بعد سيطرتها على شمال شرق المدينة.

ومع القصف المتواصل والغارات الجوية، التي أعاقها أمس سوء الأحوال الجوية والسحب الكثيفة والأمطار، حذر المرصد من أن حركة النزوح يمكن أن تتزايد في الأيام المقبلة بعدما تخطت حاجز 50 ألفاً في أربعة أيام.

مقبرة ضخمة

ومع انتهاء الجلسة الطارئة لمجلس الأمن على غرار سابقاتها دون إحراز أي تقدم، أكد مسؤول العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين من أن "هؤلاء محاصرون منذ أكثر من 150 يوما وليس لديهم الامكانات للاستمرار فترة أطول والمدينة قد تتحول إلى مقبرة ضخمة"، داعياً النظام للسماح بإدخال مخزونات أدوية ومواد غذائية جهزتها الأمم المتحدة، إلى تلك المناطق "بكل أمان".

«جيش حلب»

وبعد أسبوعين من تشكيلها مجلس قيادة موحدة، أعلنت الفصائل العسكرية المقاتلة في حلب الشرقية، أمس، عن اندماج جميع مكوناتها في "جيش حلب" بقيادة زعيم "الجبهة الشامية" أبو عبدالرحمن نور.

وأوضح نور، الذي دعا الأسبوع الماضي إلى مزيد من المساندة من الدول الداعمة للمعارضة، أن الهدف من تشكيل "جيش حلب"، هو توحيد الجهود ضد الهجمة الشرسة لقوات النظام وفك الحصار عن حلب الشرقية.

ووفق قيادي في الجبهة، التي تحارب في شمال سورية تحت لواء الجيش السوري الحر، أن التحالف الجديد سيساعد في مركزية عملية اتخاذ القرار.

وفي تسجيل مصور، أرجع القائد الجديد لحركة "أحرار الشام" علي العمر، أمس، سبب انتكاسات الثورة على نظام الرئيس بشار الأسد هو الفرقة وعدم التوحد، مؤكداً أن الحركة ستمد يدها لكل الفصائل بلا استثناء حتى تندمج جميعها وتصبح صفاً واحداً.

العملية الروسية

ووسط أنباء عن سيطرة قوات الأسد على السكن الشبابي في حلب الشرقية وتصديها لمحاولات تقدم الفصائل عند شركة الكهرباء في الشيخ سعيد، تعهد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، بمواصلة موسكو عملياتها في المنطقة المحاصرة منذ 5 أشهر "حتى إنقاذها من الإرهابيين".

وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في مدينة ألانيا التركية على البحر المتوسط، أكد لافروف، أن موسكو ستواصل جهودها للسماح بدخول المساعدات الإنسانية وأنها مستعدة للحوار مع كل أطراف الصراع، مؤكداً أنها ودمشق ليست لهما علاقة بالهجوم الذي أسفر عن مقتل أربعة جنود أتراك في 24 نوفمبر والذي نسبته أنقرة إلى نظام الأسد.

عمل مشترك

من جهته، أعلن جاويش أوغلو عن اتفاقه ولافروف على الحاجة إلى وقف إطلاق النار في حلب وبقية أرجاء سورية بأسرع وقت ممكن، مشيراً إلى أن روسيا وتركيا تقومان بعمل مشترك في مكافحة الإرهاب وسيتواصل التعاون سواء في سورية أو العراق وسائر منطقة الشرق الأوسط.

وإذ حذر من أن الميليشيات الكردية ليست خطراً فقط على بلاده، بل على العالم، شدد جاويش أوغلو على أن موقف تركيا من الأسد واضح.

وفي وقت سابق، شرح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين تصريحاته عن إسقاط الأسد، كما توافق الطرفان على "تسريع الجهود" لوضع حد للمعارك المتواصلة في حلب والسماح بإدخال المساعدات الانسانية إلى المدنيين، بحسب المسؤول بالكرملين يوري أوشاكوف ووكالة أنباء الأناضول التركية.

وغداة المباحثات الهاتفية الثالثة في أقل من أسبوع مع بوتين، تراجع إردوغان أمس عن تأكيد على أن عملية "درع الفرات" هدفها "إنهاء حكم الطاغية" بشار الأسد، وأعلن أمس، في قصر الرئاسة بأنقرة، أنها لا تستهدف أي بلد أو شخص، وإنما تستهدف التنظيمات الإرهابية.

الحرس الثوري

وفي طهران، اعتبر رئيس الشؤون السياسية في الحرس الثوري الإيراني العميد رسول سنائي‌ أن "إردوغان ليست لديه القدرة الكافية لإطاحة الرئيس السوري"، مؤكداً أن "تركيا لو كانت تملك قدرة كهذه لكانت نجحت في الماضي في تشكيل منطقة عازلة".

ودعا سنائي‌ "إردوغان للرد على الرأي العام في بلاده الذي يفكر في نتيجة التدخل المكلف في سورية منذ عدة سنوات"، مشيراً إلى أن كلامه "ليس بالجديد، وربما يعتبر نوعاً من إعطاء المعنويات للحركات الارهابية والمواساة للذين يمرون في حلب بظروف الحصار الصعبة والاحتجاجات الشعبية".

«قسد» والنظام

وعلى جبهة موازية، اتهمت قوات سورية الديمقراطية (قسد)، المدعومة أميركياً ويهيمن عليها الأكراد، تركيا أمس بقتل اثنين من أعضائها أحدهما من الولايات المتحدة والآخر من ألمانيا في قصف قرب مدينة منبج، التي انتزعتها من "داعش" بعد معارك طويلة.

وفي درعا، سيطرت قوات النظام، على الكتيبة المهجورة شمال بلدة الفقيع بالريف الشمالي، بعد معارك مع المعارضة، في تقدم يعتبر الأول لها منذ استعادتها مدينة الشيخ مسكين واللواء 82 نهاية شهر فبراير الماضي.

قذائف كالمطر وجثث في كل مكان

في الأحياء التي لاتزال تحت سيطرة المعارضة في حلب الشرقية، تملأ الجثث الشوارع، بينما يعيش من تبقى فيها من دون مستشفيات أو وقود أو سيارات إسعاف منذ بدء الهجوم العنيف وحملة القصف المكثف قبل أسبوعين.

ووفق مراسل "فرانس برس"، فإن القذائف كانت تتساقط أمس الأول "كالمطر" في شوارع عدة من القطاع الجنوبي من حلب الشرقية، وتقتل من لم ينجح في الاختباء منها.

ولم يعد لدى متطوعي "الخوذ البيضاء" الإمكانات الكافية ليهرعوا لإنقاذ المصابين، مع انقطاع شبه تام للكهرباء والإنترنت عن مناطق الفصائل التي تتعرض لقصف عنيف.

حتى الآن، كان المدنيون يحاولون الاحتماء في أماكن آمنة خلال ساعات القصف، لكن حدة القصف من جهة وقلة الملاجئ وتقدم قوات النظام السريع، أقنعت الآلاف منهم بالفرار، وغالبا ما طالتهم القذائف وهم يحاولون العبور الى المنطقة الواقعة تحت سيطرة النظام أو أحياء أخرى في القطاع الجنوبي.