هبوط النفط لم يستنفد دوافعه بعد... والبرميل قد يهوي من جديد
السعودية هددت بحرب سعرية... وروسيا لا تصغي لغير طهران
حذر محللون من أن التخمة العالمية، التي دفعت أسعار النفط الى أدنى مستوى في 9 سنوات هذا العام، قد تمتد إلى العام المقبل، إذا فشلت "أوبك" في تحقيق خفض الإنتاج بعد تصاعد التوقعات أخيراً.
ما أشبه الليلة بالبارحة...كما هو الحال قبل سنة، هبطت أسعار النفط من جديد في الأسبوع الماضي، بعد أن تبددت الآمال بتوصل دول منظمة "أوبك" إلى اتفاق بشأن خفض في الإنتاج، نتيجة للخلافات المستحكمة بين أعضائها الأشد أهمية.لقد انخفض سعر الأساس لعقود الخام الأميركي 3.9 في المئة، ليصل الى 45.27 دولارا للبرميل، بعد أن قالت وكالة "رويترز" إن "إيران والعراق –الدولتين اللتين رفعتا انتاجهما بعد سنوات من خفض تسببت به عوامل سياسية– تقاومان ضغوطاً من جانب المملكة العربية السعودية لخفض هذا الإنتاج".
تخمة عالمية
وحذر محللون من أن التخمة العالمية التي دفعت أسعار النفط الى أدنى مستوى في 9 سنوات في وقت سابق من هذا العام قد تمتد الى العام المقبل، في حال فشل منظمة أوبك في تحقيق خفض في الانتاج بعد تصاعد التوقعات خلال الأسابيع الأخيرة.وربما تكون المضاعفات أوسع انتشاراً بالنسبة الى الاقتصاد الأميركي. وازدهار الزيت الصخري، الذي جعل الولايات المتحدة أقل اعتماداً على النفط المستورد، يشكل محركاً رئيسياً للاقتصاد المحلي من تكساس الى داكوتا الشمالية. وأفضى التعافي في أسعار النفط من مستوياتها المتدنية عند 27 دولاراً للبرميل في الربع الأول من هذه السنة الى انعاش عمليات الحفر والخدمات ذات الصلة خلال الأشهر الأخيرة، وأحدث تحسناً في الاقتصاد الأميركي. وفي الأسبوع الماضي أيضاً أعلن بنك الاحتياط الفدرالي في دالاس أن مقياسه للنشاط التجاري العام عاد إلى اظهار توسع في شهر نوفمبر لأول مرة في نحو السنتين.وتشهد أسواق النفط دائماً تقلباً يسبق اجتماعات وزراء نفط منظمة "أوبك" في حال وجود فرصة لحدوث تغير في مستويات الإنتاج. وتوفر المنظمة ما يصل الى ثلث الطلب العالمي على النفط، لذلك فهي تملك القدرة على التحكم في الأسعار أو تحريكها على الأقل.ولكن دفع الدول الأعضاء الى الاتفاق على خفض الانتاج، أو على سياسة معينة، لم يكن سهلاً، خصوصا في الآونة الأخيرة. وسيتعين على كل دولة التضحية بدخل محتمل (ومعظم أعضاء منظمة أوبك ليس لديهم مصادر اخرى مجدية للدخل الحكومي) في وقت أفضت فيه أسعار النفط المتدنية الى نقص في العوائد. والأكثر من ذلك أن تلك التضحيات تغدو أكثر صعوبة في الاتفاق عليها، عندما تقرر الدول الأعضاء من خارج المنظمة مثل الولايات المتحدة وروسيا (أكبر منتجي النفط في العالم) التخلف عن التوافق ما البلدان المستفيدة من أسعار أعلى.وعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من بعض الكلمات المعسولة من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن "الانضمام الى جهود الحد من الإمدادات"، فإن روسيا ضخت في حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي كميات كبيرة من النفط، وقدر انتاجها بنحو 11.2 مليون برميل يومياً في أكتوبر الماضي، أي بزيادة نسبتها 4 في المئة تقريباً بالمقارنة مع سنة خلت.الجزائر وفنزويلا
وتريد منظمة "أوبك"، خصوصا المملكة العربية السعودية، أن تتشاطر روسيا قدراً من تبعات خفض الإنتاج. وقد ارتفعت الآمال بموافقة روسيا فترة قصيرة عندما توجه وزيرا النفط الجزائري والفنزويلي خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي الى موسكو، لطرح الفكرة، ولكنها عادا صفر اليدين.ولو أن روسيا كانت ستصغي الى أي طرف في منظمة "أوبك"، فإن ذلك لن يكون عبر الجزائر وفنزويلا بل عبر ايران، وهي المشتري الرئيسي للتقنية النووية الروسية والعتاد العسكري التقليدي وحليفتها الاستراتيجية في سورية، حيث يدعم البلدان نظام بشار الأسد.ولا تتطلع ايران الى تحقيق خفض في الإنتاج، وقالت وكالة بلومبرغ في الأسبوع الماضي، إن طهران متمسكة بمطلبها المتعلق برفع انتاجها الى 3.975 ملايين برميل يومياً، وهو يقارب مستوى انتاجها قبل الأزمة المالية في سنة 2008. ولكن ذلك أكثر بـ50000 برميل عما تقول إنها أنتجته في شهر أكتوبر الماضي.وتنسب وكالة الأنباء الإيرانية (شانا) إلى وزير النفط الايراني بيجان زنغنه قوله إن "استعادة حصة ايران المفقودة من سوق النفط ارادة وطنية، وتمثل مطلبا للشعب الإيراني".وكان العراق يضغط أيضاً من أجل حدود انتاج أعلى قائلاً إنه بحاجة الى مزيد من المال بغية محاربة تنظيم "داعش".ومع عدم وجود رغبة لدى أكبر دولتين منافستين لها للتراجع هددت المملكة العربية السعودية في نهاية الأسبوع الماضي باللجوء الى حرب أسعار شاملة. وعلى ما يبدو عليه ذلك من سوء فإنه قد لا يفضي الى هبوط حر في الأسعار.وتيرة أسرع
ويشهد الاقتصاد العالمي فترة خروج من الهدوء، ما يعني أن من المحتمل أن يزداد الطلب على النفط بوتيرة أسرع في العام المقبل. وفي حقيقة الأمر، تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يتوسع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 3.3 في المئة في السنة المقبلة مرتفعاً عن 2.9 في المئة في هذه السنة، ويرجع ذلك في جزء منه الى استجابة الى سياسة التضخم التي وعد بها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب. وعلى أية حال، يظن البعض أنه حتى ترامب لن يكون كافياً لإبقاء أسعار النفط عالية، اذا لم تتصرف منظمة أوبك بطريقة ملائمة. وبحسب مورغان ستانلي وماكغواير فإن أسعار النفط ستشهد مرحلة تصحيح حادة اذا أخفقت منظمة أوبك في التوصل الى اتفاق، وربما تهبط الأسعار الى 35 دولاراً للبرميل.* جيم سميث