قررت الحكومة الهندية في الثامن من شهر نوفمبر الماضي سحب الجزء الأكبر من الأوراق النقدية في البلاد بحلول نهاية السنة الحالية، وقد سارع أصحاب العملة النقدية من فئة 500 روبية و1000 روبية (15 دولاراً) الى ايداعها في البنوك أو مبادلتها بأوراق جديدة، وهو ما أفضى الى ظهور موجة من عمليات التجارة الالكترونية على مواقع عرضت القيام بهذه الاجراءات في مقابل 90 روبية في الساعة بغية توفير المشقة على الأغنياء.وفي أماكن أخرى، تسبب النقص المزمن في الأوراق النقدية في الاقتصاد الذي يهيمن النقد عليه في جعل التجار في حالة صعبة وقاسية، وقد تعرضت 7 من كل عشرة محلات للبقالة التي تحمل اسم كيراناس (وهي متاجر مملوكة لإحدى العائلات) إلى هبوط في أعمالها التجارية، بحسب دراسة أجرتها نيلسن وهي سلسلة تموين وامداد استشارية حيث تتم معظم العمليات من قبل باعة الجملة وأصحاب الشاحنات بالمبالغ النقدية، كما أن نسبة بلغت ما بين 20 في المئة الى 40 في المئة من انتاج المزارع وصلت الى الأسواق خلال الأيام القليلة التي أعقبت خطوة الاصلاح هذه.
ويقر سكان المدن بقيامهم بحفظ الأوراق النقدية من فئة 100 روبية وهي أكبر ورقة من الفئة القديمة المسموح تداولها بشكل قانوني، كما أن سائق سيارة الأجرة يرفض قبول الورقة النقدية من فئة 2000 روبية واختفى المتسولون من أجزاء من شوارع نيودلهي لعدم وجود أوراق نقدية من الفئة الصغيرة.ومن جهته، راهن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على أن هذه المشقة المؤقتة سوف تستحق العناء الذي أفضت اليه، وهو يهدف إلى وضع حد للسوق السوداء التي تستغل الناس وتحقق ثروة من خلال تخطي نظام الضريبة وتمويل الحملات الانتخابية وتحريك عجلة الفساد بيسر وسهولة. ويقول أنصار الاصلاح النقدي إن مبادلة الأوراق النقدية العالية القيمة تعمل على شكل ضريبة بالنسبة الى أصحاب الثروة المحظورة. ويشكل عنصر المفاجأة حالة من الاضطراب والتشويش ولكن من دون مثل تلك الخطوة سوف يكون هناك فترة من الوقت بالنسبة الى أصحاب نقود السوق السوداء للقيام بغسيل أموالهم من خلال شراء الذهب والعملة الأجنبية أو العقارات. كما أن الموعد النهائي الذي تحدد بصورة ضيقة يجعل ملاك المبالغ الكبيرة من الأوراق النقدية أمام وقت ضيق لمبادلتها أو ايداعها من دون ابلاغ سلطات الضرائب.ولكن هذه السرعة تتم في مقابل ثمن يتعين دفعه، وبعيداً عن الحالات التي جعلت التضخم يفضي الى اعتبار العملة عديمة الفائدة والقيمة فإن مثل تلك المبادلات تحدث خلال فترات طويلة بغية تفادي حدوث اضطراب في التجارة. وقد ينخفض نمو الناتج المحلي الاجمالي بما يصل الى نقطتين مئويتين أو أقل من ذلك خلال الربع الحالي والتالي قبل أن يعود الى مستواه الطبيعي نتيجة تعويض المخزون من المال – بحسب برانجول بهانداري من بنك اتش اس بي سي. ويعتمد الكثير من ذلك على مدى سرعة مبادلة الأوراق النقدية الجديدة بالقديمة ولم تكن العملية سهلة وسلسلة حتى الآن. وقد انتظر بنك الاحتياط الهندي الذي يصدر الأوراق النقدية ستة أيام قبل أن تتمكن السلطات المعنية من تحديد قدرة أجهزة الصرف الآلي على طرح الورقة النقدية الجديدة من فئة 2000 روبية. وبحسب بنك غولدمان ساكس كان ربع أجهزة الصرف الآلي في أربع مدن كبرى ممتلئا في 21 نوفمبر الماضي.وعلى الرغم من ذلك، توجد اشارات على أن الاصلاح الجديد قد دفع الهنود الى التخلص من المبالغ النقدية وايداعها في البنوك. وفي فترة أسبوعين بعد الاعلان عن الاجراء الجديد ازدادت ايداعات البنوك في الهند بما يصل الى 5.1 تريليونات روبية نتيجة تدفق الأوراق النقدية القديمة والقيود التي فرضت على سحب الأوراق الجديدة.وبخلاف المضايقة والاحتجاجات يبدو أن الإصلاح حظي بدعم واسع، ثم إن توجيه ضربة الى الأغنياء يشكل خطوة تتمتع بشعبية، حتى وإن كان الفقراء غير مقتنعين بها، كما أن البعض يأمل أيضاً أن يفضي ذلك الى فوائد جديدة بالنسبة الى الفقراء ويجعل المنازل محتملة الثمن بقدر أكبر. وتعتبر أسعار العقارات في الهند غالية لأنها مخزن الأموال المحظورة، ومن وجهة نظرية فإن أي أموال غير مشروعة لا يمكن غسلها سوف تصبح عديمة القيمة وهو ما يمثل مكسباً مالياً للحكومة وربما في نهاية المطاف الى الفقراء من أبناء الشعب الهندي. ولكن ليس من الممكن التعويل على هذه الحصيلة. ولم يعلن بنك الاحتياط الهندي حتى الآن أن الأوراق النقدية القديمة سوف تصبح ملغاة بصورة دائمة، بحسب أشيش غوبتا من بنك كريدي سويس، ولا يوجد بنك مركزي يريد أن يقول إنه لن يدعم ورقة نقدية أصدرها من قبل.
مقالات
تداعيات سحب الأوراق النقدية من الأسواق الهندية
03-12-2016