يستوقفني الموقف المتكرر الذي يحدث في المقهى الذي أرتاده يومياً. زبائن يرتدون أفخم الملابس حاملين أغلى الحقائب (إن كنّ من النساء) يترجلون من سياراتهم الفارهة، غالباً مع عائلتهم أو رفاقهم المحببين، وعلى الرغم من جميع مظاهر الراحة والرفاهية التي تحيط بهم من كل جانب فإنهم عابسون دائماً! يلازمهم التجهم في الطقس السيئ والجميل، وفي أوقات العمل والإجازة.يلقي عليهم النادل التحية فيتجاهلونه تماماً، ألتمس لهم عذر الخجل أو عدم التحدث بالإنكليزية... لكن إذا بهم يقومون بذكر طلبهم بإنكليزية واضحة وأسلوب فظ لا يعرف الاستئذان أو الشكر طريقاً إليه!
تلتقي عفوياً عيناي بعيني إحدى الزبونات من هذا النوع "العابس"، فتبادرني بنظرة هجومية مستعدة للمشاكل والعراك، فأغض النظر، وأتراجع عن إهدائها ابتسامة التحية المعهودة.وما إن يتعدى انتظارها الدقائق الخمس حتى يزداد عبوسها وتأففها، فيرتبك النادل المسكين ويستعجل في طلبها، راجياً من الله أن يكون كما تحب! تستلم طلبها دون شكر ولا "مع السلامة". أتوقف مذهولة، فلا أعتقد أني سأعتاد يوماً على مثل هذا الأسلوب في التعامل.هذا العبوس المنتشر أراه حولي يومياً في كل مكان، في العمل والأسواق والمطاعم... حتى في الشارع! فلا عجب أننا حصدنا المركز الرابع عالمياً بين الدول الأكثر عدائية وتنفيراً للزائرين، وفقاً لشبكة CNN Travel كما ذكرت في مقال سابق.لدينا من سبل الراحة والرفاهية ما لا يحلم هؤلاء البسطاء بامتلاكه يوماً، يقضون ساعات عمل طويلة لا تعرف الـ"ويك إند"، وبأجور متواضعة نستكثرها عليهم، يتلقون في يومهم الشاق الكثير من التجاهل والإهانات والوجوه الغاضبة... ويستقبلونها كلها بابتسامة! فليس لديهم خيار آخر، إذ يتحملون المر والعسير في سبيل إطعام أنفسهم وعائلاتهم. هم ظماء لحسن الخلق والابتسامة، فما إن تعاملهم بلطف حتى يتفانوا في خدمتك ويفرحوا لحضورك، بل يشكروك أحياناً!نملك كل شيء وما زلنا عابسين! نملك كل شيء ومازلنا غاضبين متأففين، لا نملك ذرة صبر أو استشعاراً لمعاناة الآخر وتقديره... فهل نشكر الله على فيض نعمه بهذه الطريقة؟
مقالات - اضافات
عبوس
03-12-2016