اختيار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للجنرال المتقاعد جايمس ماتيس (الكلب المسعور) وزيرا للدفاع، اعتبر على نطاق واسع مؤشرا على نزعة التشدد التي تتجه اليها الإدارة الأميركية المقبلة.

فالرجل الذي خرج من "البنتاغون" عام 2013 بسبب خلافه مع الرئيس باراك أوباما حول قضايا اعتبرت في معايير العسكريين الأميركيين بأنها استراتيجية، معروف عنه تشدده ومواقفه الإشكالية حول علاقة أميركا مع دول العالم.

Ad

ولتثبيته وزيرا للدفاع يحتاج ماتيس الى موافقتين من مجلس الشيوخ، الأولى للقبول بتسميته، والثانية لمنحه إذنا خاصا بتسلم منصب مدني قبل انقضاء 7 سنوات على مغادرته السلك العسكري.

من جهتها، أعربت العضوة الديمقراطية في مجلس الشيوخ، كريستين غيلبراند، عن معارضتها لمنحه الاستثناء. وقالت في تغريدة من نيويورك إن "السلطة المدنية على جيشنا هي مبدأ أساسي من مبادئ الديمقراطية الأميركية".

أمجاد الرأسمالية

وترامب الذي يتجه الى استكمال تشكيل إدارته خلال الأيام المقبلة، سيقود أكبر إدارة من أصحاب الملايين في تاريخ أميركا الحديث. ويوصف العديد منهم بأنهم من أصحاب القلوب الباردة ويمثلون ما يعرف بالرأسمال المتوحش الذي يسعى الى استعادة أمجاد الرأسمالية الأولى، التي تدعو الى التخلي عن كل القيود التي تمنع النشاط الرأسمالي من الازدهار مع أقل قدر ممكن من الضوابط الحكومية مترافقا مع تقليص حجم الحكومة وموظفي القطاع العام الى اقصى الحدود.

ووسط أنباء شبه مؤكدة بأن المليونير الصغير ميت رومني يتجه ليكون مرشح ترامب لمنصب وزير الخارجية، بعدما تخلى عن كثير من تحفظاته، وبعد سلسلة من المساومات ملتحقا بركبه، تكون إدارة ترامب قد أكملت عمليا تكوين الإطار الرسمي للجهاز الذي سيقود ليس فقط الولايات المتحدة، بل وسيترك أثرا عميقا على دول العالم، وخصوصا الدول الغربية والصناعية عموما.

الجنرال جايمس ماتيس الذي يعرف عنه تشدده تجاه روسيا وإيران ومعارضته لسياسات أوباما تجاه الأزمة السورية، تنقل عنه أوساط عسكرية قوله إن دور الولايات المتحدة المتراجع في العالم سببه سياسي واقتصادي، وإن الأمر يحتاج الى إصلاحات لابد منها لاستعادة مكانتها.

هو يرفض التعذيب عبر الإيهام بالغرق، لكنه يعتبر أن ما قامت به ادارة أوباما غير كاف لدحر "داعش"، ملتقيا مع ما أعلنه امس الاول مدير الاستخبارات المركزية السابق ليون بانيتا بأن واشنطن لم تنجح في بناء ائتلاف جدي وناجح في هذا المجال.

ويقول إن طموحات موسكو لابد من تطويقها، معتبرا ان الرئيس الروسي يعيد الاعتبار الى زمن الحرب الباردة الذي ذهب الى غير رجعة، لكنه يقر بدور لموسكو ينبغي الحفاظ عليه وتوظيفه بشكل مناسب.

غير أن وصفه لإسرائيل بأنها دولة تمييز عنصري كان كافيا لصدور تحذيرات إسرائيلية أخيرا تتحفظ عن تسميته وزيرا للدفاع، بعدما ارتفعت أسهمه. موقفه هذا يثير الكثير من التناقضات ويبعث برسائل ملتبسة في أكثر من اتجاه، خصوصا أن دوره كوزير للدفاع، يعد من المواقع الأكثر أهمية في تراتبية السلطة في واشنطن، بعد الرئيس ووزير الخارجية.

الإنتاج الرأسمالي

على خط مواز ينظر الى نجاح ترامب في إجبار او على الاقل اقناع شركة كاريير المنتجة لأجهزة التبريد على الحفاظ على وظائف اكثر من 1000 شخص، عبر إبقاء أحد مصانعها الصغيرة داخل البلاد وعدم الانتقال الى المكسيك، بأنه رسالة ذات بعد أيديولوجي اقتصادي على مستقبل الانتاج الرأسمالي ونوع العولمة الجديدة المقبل عليها العالم.

واذا كان معظم وزراء الإدارة الجديدة هم من كبار الأغنياء ومن أصحاب الاستثمارات الكبرى الذين يريدون استعادة حصة الولايات المتحدة من الأسواق العالمية ولجم العملاق الصيني (ويلبر روس الذي اختاره ترامب وزيرا للتجارة يوصف بأنه من أشد المعادين لنشاطات الصين التجارية والمالية)، فإن إعطاء الشركات حوافز للحفاظ على إبقاء انشطتها الانتاجية داخل الولايات المتحدة، كما جرى مع شركة "كاريير"، سيكون حكما على حساب القوانين الذي تنظم عمل منظمة التجارة العالمية، وعلى حرية المنافسة وفق قوانين الاسواق المفتوحة.

الإسلام الراديكالي

وأكد ترامب أمس الأول عزمه محاربة تنظيم "داعش" والإسلام الراديكالي. وقال، خلال أول تجمع له بعد الانتخابات في ولاية أوهايو: "سننتصر على الدولة الإسلامية، وسنقدم في الوقت نفسه سياسة خارجية جديدة، وسنتوقف عن إسقاط الأنظمة… ونحن مستعدون للتعاون مع أي بلد سيساعدنا بالانتصار على الدولة الإسلامية والتطرف".

وأضاف أنه لن يسعى إلى إسقاط أنظمة الدول الأخرى، أو التدخل في سياساتها الداخلية، مشيرا إلى أن أميركا يجب أن تتوقف عن محاولة بناء ديمقراطيات بالخارج، أو التدخل بطريقة غير واعية في أمور لا يحق لها الوجود فيها.

وأشار إلى أن سياساته سترتكز على الحفاظ على أمن الولايات المتحدة، وتدمير "داعش"، وليست هناك خيارات أخرى سوى هزيمة ما أسماه بالإرهاب الراديكالي الإسلامي.

كما تعهد ترامب، في إطار جولة تشمل عددا من الولايات، بتوحيد "أمة منقسمة جدا"، قائلا أمام آلاف من مؤيديه، "سنجمع بلادنا، بلادنا بكاملها".

وأضاف: "نحن ندين عدم التسامح والأحكام المسبقة بأشكالهما كافة. نحن ندين الكراهية وننبذ بقوة لغة الإقصاء والتفرقة"، مادا يده إلى الديمقراطيين، قائلا: "تحدثت إلى الديمقراطيين. قلت لهم: اسمعوا، لا يمكننا أن نكمل مع هذا الشلل. هذا مستمر منذ سنوات كثيرة"، موضحا "سنتحادث مع بعضنا. وأعتقد أنهم يريدون أن نتحادث".

وقال ترامب مبتسما إنه شعر "بمتعة مواجهة هيلاري، أليس كذلك؟"، مثيرا حماسة الموجودين داخل القاعة بشكل تدريجي، فراح هؤلاء يرددون شعارات حملته، خصوصا منها "اسجنوها!" و"ابنوا الجدار!"، في إشارة إلى الجدار على الحدود مع المكسيك الذي كان ترامب قد تعهد بناءه. وختم ترامب بالقول: "الخلاصة هي أننا فزنا".