مع تدني شعبيته إلى أدنى مستوى، أعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، مساء أمس الأول، أنه لن يترشح لولاية رئاسية جديدة عام 2017، موضحاً أنه يريد تجنب هزيمة لليسار في مواجهة اليمين واليمين المتطرف، وذلك قبل خمسة أشهر من الاستحقاق الانتخابي.

وقال الرئيس الاشتراكي، في كلمة متلفزة من الإليزيه في باريس: "أنا مدرك للمخاطر التي يمكن أن تنجم عن خطوة من جانبي لن تلقى التفافاً واسعاً حولها. لذلك قررت عدم الترشح للانتخابات الرئاسية"، متهماً اليمين بأنه يريد التشكيك بالنموذج الاشتراكي الفرنسي، وحذر من اليمين المتطرف "الذي يدعونا الى الانطواء والخروج من أوروبا والعالم".

Ad

وإذ أشار إلى أنه يريد قياس مدى قوة "التحدي الذي تمثله الفترة المقبلة"، دعا هولاند، الذي انتخب عام 2012 في مواجهة اليميني نيكولا ساركوزي، وبات أول رئيس يرفض الترشح لولاية ثانية منذ عام 1958، إلى "رد فعل جماعي".

أسوأ هجمات

وبدأ هولاند خطابه بوضع جردة لعهده، مركزاً على التقدم الذي يعتقد أنه ساهم في إحرازه ومن بينه المساعدة في إيجاد فرص عمل والاتفاق العالمي بشأن المناخ. لكنه عبر عن "أسف وحيد" هو اقتراحه إسقاط الجنسية عن مزدوجي الجنسية الضالعين في أعمال إرهابية.

وقال هولاند، الذي تخللت ولايته عمليات عسكرية عدة في مالي وإفريقيا الوسطى والعراق وسورية، وشهدت أيضاً أسوأ هجمات ارتكبت في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية أدت إلى مقتل 238 شخصاً، "في الأشهر المقبلة، واجبي، واجبي الوحيد سيكون مواصلة قيادة البلاد".

شعبية متدنية

وأظهر آخر استطلاعات الرأي أن 13 في المئة فقط من الفرنسيين يثقون بهولاند، وأنه لن يحصل إلا على 7 في المئة من الأصوات خلال الدورة الرئاسية الأولى في أبريل وراء مرشح اليمين فرنسوا فيون وزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن.

ويأتي إعلان هولاند عدم ترشحه، بعد أربعة أيام من اختيار اليمين لرئيس الوزراء الأسبق فرنسوا فيون، الذي يملك نظرة ليبرالية في الاقتصاد ومحافظة في القضايا الاجتماعية.

حرب صامتة

وفي الأيام الأخيرة، دارت حرب صامتة بين هولاند ورئيس وزرائه مانويل فالس المحاصر بين واجبه بإظهار الولاء تجاه رئيس البلاد، وطموحه الرئاسي الذي لم يعد يخفيه. وحيا فالس، الذي باتت الطريق أمامه سالكة، أمس الأول، إعلان هولاند معتبراً أنه "خيار رجل دولة".

وأياً كان المرشح الاشتراكي المنبثق من الانتخابات التمهيدية، فلن يكون عليه أن يواجه مرشحي اليمين واليمين المتطرف فقط، بل أيضاً اليساري المتطرف جان-لوك ميلانشون ووزير الاقتصاد اليساري السابق ايمانويل ماكرون.

الأنظار لفالس

وبعد مفاجأة تخلي هولاند عن الترشح لولاية ثانية، تتجه الأنظار لفالس الذي سيكون عليه اعلان ترشحه رسمياً بسرعة للانتخابات التمهيدية لليسار المشتت.

وعنونت الصحف الفرنسية غداة هذا السيناريو غير المسبوق في الجمهورية الخامسة المتمثل في تخلي رئيس للدولة عن الترشح مجدداً: "النهاية" و"بدوني" و"وداعاً أيها الرئيس".

وبات هناك سؤالان مطروحان يتعلقان بفالس الوريث المرجح: متى يعلن ترشحه قبل انتهاء مهلة تسجيل المرشحين للانتخابات التمهيدية لليسار في 15 ديسمبر؟ وهل سيكون عليه مغادرة منصب رئيس الحكومة؟

تجميع القوى

ومن غير المرجح أن يعلن فالس خلال رحلته الى نانسي ترشحه، بعد وقت قصير جداً من "الموت" السياسي لهولاند. وسيلقي رئيس الوزراء اليوم، مبدئياً خطابا في تجمع في باريس دعا إليه الحزب الاشتراكي. لكن إعلاناً شخصياً في هذه المناسبة يمكن أن يؤدي الى توجيه انتقادات الى قيادة الحزب الاشتراكي من قبل المرشحين الآخرين مثل أرنو مونتيبور أو بينوا آمون الوزيرين السابقين.

ومع فتح الطريق أمامه، يفترض ان يواصل فالس عملية تجميع القوى التي بدأها قبل اسابيع. وقد سعى فالس الذي يثير الانقسام في معسكره في أغلب الاحيان، الى تخفيف حدة الخلافات لتحسين صورته الانتخابية.

قرار شجاع

ولقي إعلان هولاند إشادات حتى من اليمين. ووردت في معظم التعليقات عبارات "كرامة" و"احترام" و"شجاعة" بما في ذلك من قبل الذين خانوا الرئيس أو أضعفوه. وقال أرنو مونتيبور إنه "قرار حكيم وواقعي ومحترم"، بينما أكد إيمانويل ماكرون انه "قرار شجاع".

ورأت وزيرة العدل السابقة كريستيان توبيرا، التي انسحبت من الحكومة في إطار مشروع التجريد من الجنسية المثير للجدل، "لحظة كرامة في السياسة التي باتت تبخل في ذلك". ويعمل البعض في اليسار على دفع وزيرة العدل السابقة التي تتبع خطا مختلفا تماما عن سياسة فالس، الى الترشح للانتخابات.

رد اليمين

ورأى رئيس الوزراء الأسبق فرنسوا فيون مرشح اليمين للانتخابات الرئاسية في 2017 والمرشح الاوفر حظاً للفوز فيها حسب استطلاعات الرأي الأخيرة، أن فرنسوا هولاند "يعترف بوضوح بأن فشله الجلي يمنعه من المضي إلى أبعد من هذا المدى"، مضيفاً أن "هذه الفترة تنتهي بفوضى سياسية وتراجع للنفوذ".

وفي اليمين المتطرف، انتقد فلوريان فيليبو مساعدة زعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبن من قبل فيون وفالس، معتبراً أنهما "نسختان" عن رئيسيهما نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند. وقال: "رئيسان للجمهورية يخرجان خلال اسبوعين. ما فائدة ترشح نسختين عنهما؟".