النفط الكويتي قفز 13.3% والعجز تراجع 1.2 مليار دينار
الاتفاق التاريخي الذي توصلت إليه منظمة أوبك بخفض إنتاجها بنحو 1.2 مليون برميل يومياً، والذي يفترض أن يدخل حيز التنفيذ بعد شهر من الآن، نتج عنه ارتفاع قياسي في أسعار النفط. ووفقاً للسعر المعلن من مؤسسة البترول، أمس، فإن الارتفاع الذي حققه برميل النفط الكويتي في اليومين الأخيرين يعوض حصة الكويت من خفض إنتاج أوبك بنحو 3 أضعاف، إذ يبلغ الخفض المطلوب من الإنتاج الكويتي نحو 4.5 في المئة من مستوى الإنتاج الحالي، في حين وصل برميل الخام الكويتي، أمس، إلى 47.68 دولاراً، أي أنه زاد خلال يومين نحو 5.6 دولارات، أي ما نسبته 13.3 في المئة، مقارنة بسعره أمس الأول.بموجب هذه البيانات «الأولية»، وبفرض قدرة هذه الزيادة على الصمود، وبافتراض أن كل الإنتاج يصدر خاماً، فإن الكويت ستحصل على دخل إضافي يبلغ 3 أضعاف ما تخسره من حصتها الإنتاجية. ويشكل هذا التغير زيادة في دخل الكويت من النفط – من 43.6 مليار دولار سنوياً، أي نحو 14.5 مليار دينار، إلى 47.1 مليار دولار، أي 15.7 مليار دينار- أي أن التحسن المحقق في دخل الكويت، وبعبارة أخرى الانخفاض في عجز الميزانية، يبلغ نحو 8 في المئة.البلدان الرئيسية المنتجة للنفط حالها اليوم حال الكويت، فهي جذلى بهذا الاتفاق الذي يمثل لها انفراجة مهمة في أوضاعها المالية الصعبة، ويمنحها القدرة على إعادة ترتيب شؤونها الداخلية التي تعرضت إلى ضغوط هائلة، بسبب انحسار العوائد النفطية، في حين يشكل هذا الاتفاق صدمة مالية للبلدان الفقيرة المستهلكة للنفط، ويمثل من جانب آخر فرصة للمنتجين الصغار والهامشيين ومنتجي الزيوت غير التقليدية كي يلتقطوا أنفاسهم من أجل العودة، وبقوة، إلى الأسواق والخروج من مأزقهم الراهن.
اتفاق «أوبك» جاء مفاجئاً لأسواق النفط، ومخالفاً لتوقعات معظم المحللين النفطيين الذين استبعدوا فرص حدوثه، بعد أن طال انتظاره أكثر من عامين، وبعد أن فشلت عدة محاولات سابقة في التوصل إليه. ويمثل هذا الاتفاق تحولاً جوهرياً في سياسة «أوبك» التي قادتها السعودية منذ أواخر عام 2014، والتي تمحورت حول الدفاع عن الحصص السوقية لدول المنظمة بدلاً من الدفاع عن أسعار النفط. هذا التحول الجوهري في سياسة «أوبك»، والتوافق «المتأخر» بين دولها يفسر جانباً من الصعود القياسي لأسعار النفط، بمجرد الإعلان عن التوصل إلى الاتفاق. وهو صعود يتزامن مع دولار أميركي قوي، من شأنه أن يحد من زخم الارتفاع في سعر النفط، كما يتزامن مع أيلولة الإدارة الأميركية إلى الجمهوريين، والتحول الجذري الذي يشكله ذلك في آلية معالجة الأزمات الدولية العالقة، وأثر كل ذلك على مستقبل النمو الاقتصادي العالمي.ولكن من يعرف أساسيات السوق النفطية يدرك أن التحسن الكبير الذي طرأ على سعر النفط في اليومين الأخيرين قد لا يتمكن من الصمود في المستقبل المنظور. والصورة الجميلة قد تكون مغرقة في التفاؤل، لعدة أسباب: الأول هو أن العبرة ليست في التوصل إلى الاتفاق على خفض الإنتاج، بل في الالتزام به، وقد شكل مؤتمر «أوبك» لجنة وزارية برئاسة الكويت وعضوية الجزائر وفنزويلا مهمتها مراقبة تنفيذ الاتفاق. وهذه مهمة شاقة وشائكة لم تتمكن دول «أوبك» منذ أن بدأ نظام حصص الإنتاج في منتصف الثمانينيات من التصدي لها بكفاءة أو على نحو فعال. ولن يمضي وقت طويل قبل أن تكتشف هذه اللجنة أنها لا تملك الصلاحيات السيادية ولا الآليات الفنية الحقيقية التي تمكنها من القيام بهذا الدور. السبب الثاني هو السجل التاريخي لدول المنظمة المفرط في عدم الالتزام بحصص الإنتاج، ناهيك عن أن نجاح الاتفاق الراهن لا يتوقف على دول المنظمة فحسب، بل يتطلب التزام منتجين كبار مثل الولايات المتحدة وروسيا بحدود الإنتاج المناسبة، وهذا التزام من الصعب التيقن من تحققه في المدى القصير، دع عنك المتوسط.السبب الثالث هو خريطة الرمال المتحركة لإنتاج النفط، فالعديد من البلدان الرئيسية المنتجة للنفط مرت وما زالت تمر باضطرابات سياسية واجتماعية وأزمات اقتصادية هائلة، تجعلها وباستمرار بحاجة إلى ضخ المزيد من النفط والصراع على الحصص السوقية، وكلاهما يؤديان إلى عدم الالتزام بحصص الإنتاج، ومن ثم تداعي الأسعار.السبب الرابع هو ما باتت تتسم به تقنيات إنتاج البدائل، سواء منها النفوط غير التقليدية (الزيت الصخري ونفط الرمال والكيروجين) أو مصادر الطاقات المتجددة، من سرعة في التفاعل مع التغيرات التي تطرأ على سعر النفط.ولكن دعونا نتفاءل دون إفراط، ودون نكوص عن مسيرة إصلاح اقتصادي حقيقي يخلص اقتصاداتنا من مخاطر هذا الاعتماد المفرط والمقلق على النفط.