هناك وسيلة للرد على التوسع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي وإفشال أهدافه، ولتحديد الوسيلة لا بد من فهم الجوهر الاستراتيجي للاستيطان: الاستيطان هو سلاح الحركة الصهيونية منذ أن نشأت لتحقيق هدفين: الاستيلاء على الأرض وتهويدها، ومن ثم محاولة تهجير سكانها وترحيلهم، وبدون الجمع بين الأمرين لا يتحقق هدف الاستيطان.
عندما صدر مشروع التقسيم عام 1947 تضمن اقتراح إقامة دولتين، لكنه أعطى للفلسطينيين 44% فقط في حين كانوا يملكون 93% من أرض فلسطين، وأعطى لليهود 54% وهم لم يملكوا في حينه سوى 7% من الأرض. وعندما قامت دولة إسرائيل عام 1948، كان العرب يملكون أكثر من 80% من الأراضي التي أقيمت عليها، لكنها استولت قسرا على الأراضي بالقوة، فلم يعد الفلسطينيون يملكون سوى 2.5% من تلك الأراضي اليوم. الفلسطينيون الذين اجترحوا مأثرة الصمود ولم يرضخوا للقمع والتهديدات وتحملوا التضحية وبقوا في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 48 صاروا اليوم 20% من سكانها. وحسب علمي فإن سكان الناصرة الأصليين الذين صودرت أراضيهم وخصص بعضها لبناء مستعمرة "الناصرة العليا"، عادوا واشتروا بأموال جنوها من عرق جبينهم 25% من بيوت تلك المستعمرة، وهم باقون كالشوكة في حلق من أراد إفناءهم. باختصار المشروع الصهيوني لا يكتمل بالاستيلاء على الأراضي فقط، بل بترحيل أصحاب الأرض أيضا. ولذلك يغدو الصمود على الأرض، مهما كان الثمن، والبقاء في فلسطين هو المهمة الأولى والأساسية لإفشال المشروع الرامي لتصفية الحقوق الفلسطينية. غير أن الصمود السلبي لا يعني سوى تحمل الظلم والمهانة، أما تغيير الواقع فيتطلب صمودا مقاوما وحيويا، وهذا ما أتقنه الشعب الفلسطيني بعد تجربة عام 1948 في الجليل والمثلث ويافا وحيفا وعكا والنقب، وهو ما أتقنه الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1967، بعد أن اجترحوا مأثرة أخرى بافشال محاولات ترحيلهم وتكرار ما جرى عام 1948. ومنذ أيام الاحتلال الأولى فهم الفلسطينيون أهمية الجمع بين الصمود على الأرض ومقاومة إجراءات الاحتلال، واستطاعوا عبر شبكة واسعة من المنظمات المدنية والاجتماعية والسياسية نسج صمود متين خلق قاعدة الانتفاضة الشعبية الأولى التي كرست مبادئ الاعتماد على النفس، وتنظيم النفس، وتحدي إجراءات الاحتلال الظالمة، واستطاعت أن تغير ميزان القوى على الأرض. اليوم يركز الاحتلال على القدس والأغوار وكل أراضي ما يسمى بمناطق "C" لمصادرتها وتهويدها لضمها. ولتحقيق ذلك يسعى إلى تهجير سكانها أيضا، ومجموع هذه المناطق يصل إلى 62% من مساحة الضفة الغربية. الاستيطان ليس قدرا لا مرد له، بل يمكن مقاومته وإفشاله ولكن أولى الوسائل وأهمها هي دعم صمود الفلسطينيين المهددين به. ذلك ما يجب أن يكون على رأس أولويات منظمة التحرير وكل الوزرات والمؤسسات الحكومية والمنظمات الأهلية، وذلك ما يجب أن تخصص له الإمكانات والموازنات. والصمود الشعبي يجب أن يعزز بحراك دولي لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية وتعزيز حركة المقاطعة ضدها، لجعل العالم يفهم أنه لا يستطيع مواصلة الحديث المنمق عن السلام و"حل الدولتين" وهو يراقب بصمت ذبح إمكانية قيام دولة فلسطينية على يد الحكومة الإسرائيلية.الصمود واجب وممكن، وأقوى أنواع الصمود، الصمود المقاوم.* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
مقالات
الصمود المقاوم
04-12-2016