مشروع وطن أم مشروع كرسي؟!
قطعاً إن موقع رئاسة مجلس الأمة في الكويت ذو دلالة معنوية مهمة في دولة نظامها يمنح أسرة الحكم جميع المناصب السيادية الرئيسية، ولا يوفر للشعب إلا موقعاً وحيداً متمثلاً في رأس السلطة التشريعية، ومنذ عقود أصبح ذلك الموقع محل نزاع غير مبرر، يستنزف جهود المؤسسة البرلمانية، وتسبب إثر نتائج انتخابات الرئاسة في خلق جبهات صراع داخل البرلمان تعطل أحياناً أعماله وتحرفه عن واجباته الوطنية الرئيسية.دستورياً، موقع رئاسة مجلس الأمة دون كتلة برلمانية فاعلة هو موقع شرفي يمكّن شاغله من رئاسة مكتب المجلس الذي يرتب أولويات عمل البرلمان، التي يستطيع عدد من النواب مع أصوات الحكومة، بمجرد تقديم طلب في الجلسة الرسمية، أن يقلبوها رأساً على عقب، كما أن من واجباته أيضاً الدعوة للجلسات العادية والاستثنائية والتي يحددها إلزاماً الدستور واللائحة الداخلية للمجلس، وعملياً في النظام الكويتي، وزير الداخلية أو وزير المالية ورئاسته لعشرات المؤسسات المالية الحكومية لديهما أهمية ونفوذ يفوق منصب رئاسة مجلس الأمة بعشرات المرات.
ورصداً أيضاً لتطورات منصب رئيس مجلس الأمة تاريخياً فإن ذاك الموقع أصبح ذا نفوذ كبير منذ تولاه المرحوم جاسم الخرافي في الفترة من 1999 إلى 2012، نظراً لعلاقته المميزة والتاريخية مع السلطة، وكان متوقعاً أن يخف الصراع عليه من بعده، لكن الواقع يقول غير ذلك، فاليوم نعيش إرهاصات مواجهة جديدة على ذلك المنصب ستكون لها آثار سلبية ومواجهات عبثية.موضوع رئاسة مجلس الأمة كان رئيسياً في الحملة الانتخابية 2016، وكانت هناك رغبة شعبية في التغيير، تعكسها حالياً إرادة أغلبية النواب، وهو أمر لا ينتقص من الرئيس السابق مرزوق الغانم، بل يشير إلى رغبة جماهيرية لمقاربة مختلفة في إدارة شؤون تلك المؤسسة البرلمانية، وخاصة فيما يتعلق بالملف الاقتصادي الذي ترى أغلبية شرائح الناخبين أن يكون رئيس المجلس شخصاً محايداً وليس محسوباً على تجمع ما اقتصادي أو تجاري عند التعامل معه لأثره على الأسر الكويتية، وهو أمر مشروع لا يستحق مواجهة في انتخابات الرئاسة تنعكس سلباً على عمل البرلمان وتبقي أثراً في نفسية النواب، فتكون لها المضاعفات السيئة التي شاهدناها خلال العقد الماضي من توتر ومشاحنات.السيد مرزوق الغانم بالتأكيد لديه مشروع وطن، وليس مشروع كرسي، وهو ما يعكسه شعاره العتيد "لا تيأس من وطنك"، ولا أعتقد أنه يريد أن يكرر سيناريوهات مرهقة مرت على البلد بأن يفرض نفسه رئيساً على أغلبية تريد التغيير، كما أن الغانم ذكر عشية حل البرلمان أن حله والدعوة إلى انتخابات جديدة -التي أيدها وباركها– هدفها العودة للشعب ليقرر خياراته أمام التحديات الاقتصادية والأمنية الصعبة المقبلة، لذا نأمل أن يكون النائب الغانم عند كلمته، وينصاع لرغبة الأمة التي تشكلها أغلبية أصوات ممثلي الشعب دون تدخل الحكومة في تقرير مصير رئاسة المجلس، وهو الفعل الذي لو قام به فسيشكل له المجد الحقيقي، خاصة أنه في شباب عطائه السياسي والمستقبل أمامه لمزيد من المساهمة في العمل الوطني والبرلماني.