عبدالله البيشي: نرمّم المباني التاريخية تنفيذاً لـ«ميثاق فينيسيا»

«لدى الكويت أكثر من 140 موقعاً أثرياً»

نشر في 04-12-2016
آخر تحديث 04-12-2016 | 00:10
اذا كانت قراءة التاريخ تضيف إلى القارئ عمراً آخر، فإن مشاهدته مبنى سواء كان بيتاً أو قلعة أو أثراً، شيّده بشر أو استخدموه، تمنح الروح شجناً، والعقل انتعاشاً، والعين متعة، فهو ليس الأمس فحسب بل الحاضر الذي لا يغيب والغد الباقي المليء بدروس في كيفية الصمود في مواجهة الأيام وتحدي ما عصفت به مناخات الأزمان. لذا ليس غريباً أن تهتمّ الأمم والشعوب والدول بما تركه الآباء من آثار، من خلال إنفاق مبالغ طائلة سواء للترميم أو التنقيب. والكويت إحدى هذه الدول. للاطلاع على المنجزات في هذا المجال، استعرضنا آراء رئيس قسم التوثيق والمتابعة للمباني التاريخية في «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب» عبدالله البيشي.
«إذا كانت السنون تنقضي وتذهب ولا تعود، فإن ما شيّده الأجداد والآباء من صروح سواء على هيئة قلاع أو بيوت يبقى، لأنه الزرع الذي لا يموت والأرواح التي لا تنقرض والذاكرة التي تحتضن وجدان أمة، وتحمل قسمات شخصياتها»، قال رئيس قسم التوثيق والمتابعة للمباني التاريخية في «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب» عبدالله البيشي. وأضاف: «على جدار أي مبنى، يمكنك أن تقرأ الأمم والشعوب، وتكتَشف دليل تعاملها مع وقتها وفنونه وعصرها وعلومه. لذلك ليس بغريب من خلال ذلك أن نتعرَف إلى السنين الفاعلة في الحياة، وقوانين البناء والتنظيم التي كانت تحكم الفعل التاريخي، فتتحقّق العبرة التي تختزل لنا التجرِبة، وتطوي مسافة الزمان والمكان».

وشدّد البيشي على أن الكويت حباها الله كثيراً من النفائس، ففاقت الـ140 مبنى أثرياً، التي هي بمقياس التاريخ ثروة لا تقدر بثمن، تعيش إلى الأبد إذا وجدت من يرعاها، وتدر أرباحاً إذا أحسنّا استغلالها.

كذلك أشار إلى أن الكويت تتميّز بأنها تعيد تأهيل الآثار بعمليات ترميم تحترم «ميثاق فينسيا العالمي» لحفظ المباني والمواقع الأثرية، وهو حدّد في أول بنوده مفهوم المبنى التاريخي، فلا يتضمّن الأثر المعماري فحسب إنما يشمل الوضع الحضري للمنطقة المحيطة به، والذي يبرهن على وجود حضارة خاصة أو تنمية مهمة أو حدث تاريخي.

ولا ينطبق هذا الأمر على الأعمال الفنية العظيمة فحسب، ذكر البشمي، بل يتعداها إلى الأعمال المتواضعة الباقية من الماضي واكتسبت أهميتها الثقافية بمرور الوقت. كذلك حدّد الميثاق في الفقرة السادسة بأن حفظ الأثر يتضمّن حفظ حالة المنطقة في نطاقه، وتمنع تماماً إقامة أي نوع من المنشآت الحديثة أو الإزالة أو التعديل، فيما يمكن السماح بذلك في الضرورات القصوى بشرط عدم التأثير في علاقات الكتل والألوان.

البيشي واصل إيضاح بنود «ميثاق فينسيا»، مبيناً أن الفقرة التاسعة فيه تشير إلى أن الترميم عملية على قدر عالٍ من التخصص، هدفها الكشف والحفاظ على القيمة التاريخية والجمالية النادرة للأثر مع التركيز على احترام المواد الأصلية والوثائق الصحيحة. وتابع: «تقف عملية الترميم عند النقطة التي يبدأ فيها التخمين، وفي هذه الحالة وكعمل لا غنى عنه، يجب أن نميّز الترميم عن الإضافات المتممة للتكوين المعماري التي يجب أن تحمل طابع المعاصرة»، موضحاً أن عملية الترميم في أي حالة يجب أن تبدأ بدراسة أثرية وتاريخية مسبقة للأثر.

أما الفقرة «11»، فأشار البيشي إلى أنها تؤكد أن الهدف من الترميم ليس توحيد الطراز، بل يجب احترام الإضافات إلى المبنى على مرّ تاريخه. وحين يتضمن طبقات متراكبة من العناصر الفنية المتعاقبة تاريخياً، يسمح في حالات استثنائية بالكشف عن الطبقات المختفية وإزالة العناصر الفنية الأقل أهمية عند وجود عناصر تاريخية وفنية وأثرية فذة في حالة جيدة ومصانة. ولكن اتخاذ القرارات في هذا الشأن يكون من خلال لجان علمية متخصصة، وبعيداً تماماً عن القرارات الفردية.

ونوّه البيشي بأن الالتزام بهذه المعايير شكّل عملية شاقة بالنسبة إلى إدارته، فمبانٍ كثيرة لا تتوافر مخططات وتصاميم معمارية لها، فضلاً عن ضرورة استحضار مواد محددة والاستعانة بطرائق البناء التقليدية وإعادة تصنيع الطين والطابوق الطيني وصخر البحر.

كذلك أوضح أن المجلس الوطني يضع الشروط العامة للترميم والصيانة فيما تنفذّها وزارة الأشغال عبر مقاوليها وتحت إشرافها لأن قانون وزارة المالية لا يمنح للمجلس الوطني الحق في القيام بذلك.

إحياء الإرث

ذكر رئيس قسم التوثيق والمتابعة للمباني التاريخية في «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب» أن بفضل الله والتعاون الوثيق بين «المجلس الوطني» وبين وزارة الأشغال انتهوا من عمليات إحياء مبانٍ تاريخية عدة من بينها على سبيل المثال لا الحصر كشك مبارك، والمدرسة المباركية التي حوِّلت إلى متحف يحكي تاريخ التعليم في الكويت، وبيت العثمان الذي خصص جزء منه لفريق «الملتقى الإعلامي العربي» لممارسة نشاطه، وجارٍ ترميم سوق شرق الأحمدي ومبنى مستشفى الصدري القديم في شرق لتحويله إلى متحف يتحدث عن تاريخ الصحة في الكويت، فضلاً عن ديوان عبدالله الجابر (ديوان خزعل)، وقصر أحمد الغانم على أن تنجز هذه المشاريع في 2017، كما هو مقرر.

الفئات المهمة

الفئات المهمة

حول كيفية تصنيف المباني التاريخية وأهميتها، قال عبدالله البيشي إنها تُقسم إلى أربع فئات:

الفئة الأولى، ذات أهمية عالية من الناحيتين السياسية والتاريخية. بنيت قبل 1920 مثل كشك مبارك، والقصر الأحمر، وبيت ديكسون، وبيت البدر.

الفئة الثانية، بنيت بعد 1920 ولها أهميتان تاريخية وسياسية، بنيت من الإسمنت أو خليط مع الطين مثل بيت السدو، والمدرسة القبلية والشرقية بنين وبنات، والدواوين الموجودة على ساحل الخليج.

الفئة الثالثة، بنيت من الخرسانة ولها خصوصية في التقييم والتصميم المعماري، بالإضافة إلى الأهميتين التاريخية والسياسية مثل المستشفى الأميركاني.

الفئة الرابعة، المباني التاريخية التي تقع تحت تصرف ملاكها وبشروط «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب» للحفاظ عليها مثل بيوت بهبهاني على ساحل الخليج، وقصر مشرف، وقصر فهد السالم. كذلك المباني التي يشرف عليها الديوان الأميري كقصر السيف ومدرستا عائشة ودسمان النموذجية وتشرف عليهما وزارة التربية، ولا يمكن ترميم أو هدم أو صيانة أو تعديل في معالمهما إلا بالرجوع إلى المجلس الوطني للثقافة، وبحسب شروطه وبعدها أخذ موافقة من البلدية للتنفيذ.

واختتم البيشي بأن دولة الكويت تسعى إلى إدراج معالمها البارزة ضمن قائمة التراث العالمي، مرشحة في أول خططها جزيرة فيلكا وأبراج الكويت وقصر الشيخ جابر العبد الله، وجار العمل على إعداد ملفات الترشيح لموقع الصبية (حضارة العبيد) وموقع تراثي آخر في جزيرة فيلكا، مؤكداً ضرورة تضافر جهود المؤسسات المعنية في الكويت لإدراج أي موقع ضمن قائمة التراث العالمي.

المجلس الوطني يضع الشروط العامة للترميم والصيانة وتنفذّها وزارة الأشغال

الهدف من الترميم ليس توحيد الطراز بل يجب احترام الإضافات إلى المبنى على مرّ تاريخه
back to top