على غير ميعاد
![فوزي كريم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1498033753948674500/1498033754000/1280x960.jpg)
ولكن الحاجةَ لا تكفّ عن الغليان؛ فتقبل السينما تامةَ الحضور، تذكرني بوفرة حظّي مع هذا الإنترنت، الذي يمدّ يد العون حتى وأنا تحت غطاء النوم. هنا تصبح السينما أغنى الفنون، لأنها تقدم لي على شاشة فضية كلَّ الفنون التي أطمع بها في ساعة إحباط، بإغواء يعزّ نظيرُه: قصة، دراما، أفكار، موسيقى، فوتوغراف، تُقبل عليّ وأنا فاغر فماً، أو محتس شاياً. ثم إن الإنترنت يزوّدني بما أحتاج من تقييم الخبراء للفيلم قبل أن أشرعَ بمشاهدته، ومن معلومةٍ حول مخرجه، وممثله، وكاتبه، ومصوره. كل هذا يتم وأنا على مقعد البيت الدافئ الوفير، أمام شاشة التلفزيون الواسعة التي تستقبل إرسال الإنترنت هذه المرة، بدل شاشة الكومبيوتر. وما أيسر أن أبدأ، مستعيداً سينما "روكسي" من قلب "شارع الرشيد" في بغداد، والممثل الأميركي "بيرت لانكاستر". وضعتُ اسم الممثل في "اليوتيوب" فأطلّت عليّ حفنةٌ كبيرة من أفلامه، ملوّنةً وبالأسود والأبيض. لم يكن اختياري عفوَ الخاطر، بل يهدف إلى ممثل لم ينقطع إعجابي به منذ "الشعلة والسهم" و"القرصان الأحمر"، وقد زودا صباي بخصب الخيال. إلا أن هناك أكثر من دافع للإعجاب، فالممثل إنساني النزعة، عُرف في موقفه المضاد للحرب، ودفاعه عن الأقليات القومية المهاجرة، ومعظم أدواره التي ينتخبها مضادةٌ لنزعة "البطل الأميركي" الشائعة، منذ بواكير أفلامه: "القتلة"، "القوة الغاشمة"، "كلهم أبنائي". وهو كذلك حتى في أفلام رعاة البقر. ومسحة الطيش الفتيّ الأولى لديه سرعان ما تحولت إلى مسحة حكمةٍ رمادية، لونت أفلامه المتأخرة مثل "رجل الطير في الكاتراز"، "محاكمة نورمبيرغ"، "الفهد"...إلخ. هكذا أشاء أن أغرقَ في فن السينما الذي ألِفْتُه في صباي، وشبابي المبكر. وهذا الغرق يسعى إلى أن ينعم بأفلام الأسود والأبيض، بالرغم من إغواء السينما الملوّنة، وفي مرحلة الخمسينيات والستينيات، معها أخففُ من وطأةِ البرد، وأعيش بغداد التي كانت تنتمي لي وأنتمي لها ذات يوم، وأوسع من أفق معرفتي في حقل أجهل الكثير من عوالمه، وأحتفلُ بالفنون جميعاً وهي تُقبل إليَّ كحزمة ألوان قوس السحاب. شاهدت من الأفلام: "آسف، الرقم خطأ"، "وادي الثأر"، "عشرة رجال طوال"، "فيرا كروس"، "القوة الغاشمة"، "من لا غفران له"، وما زلت أواصل البحث. ولعلي سأنتقل بذات الرغبة إلى ممثل آخر، أو مخرج بعينه، إلى أن تفاجئني الرغبة في الكتابة، والقراء من جديدة، وتنبتُ بين أصابعي فرشاةُ الألوان.