شهد اجتماع لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب المصري مشادات كلامية خلال مناقشة مشروعي قانون تعديل بعض أحكام قانون العقوبات رقم 58 لعام 1973 الخاص بقضايا النشر، والمواد المتعلقة بخدش الحياء العام. فوجئ الجميع بالنائب أبو المعاطي مصطفى، يؤكد ضرورة تشديد عقوبات خدش الحياء على المثقفين ضارباً المثل بالأديب الراحل نجيب محفوظ وأعماله إذ قال: «في «السكرية» و{قصر الشوق» خدش حياء، ومحفوط كان يستحق العقاب، ولكن لم يتقدّم آنذاك أحد بدعوى جنائية».الأديب والنائب البرلماني يوسف القعيد وصف كلام زميله بـ{الكارثة الكبرى»، مشيراً إلى أن اتهام أعمال الأديب الكبير بأنها خادشة للحياء دليل واضح وصريح على أن مصر تعود إلى الخلف، خصوصاً أن الدستور المصري الجديد يتضمّن ثلاث مواد تنصّ على عدم إصدار عقوبة حبس سالبة للحرية في قضية رأي، مشدداً على أن كلام البرلماني بمثابة اغتيال لأديب نوبل.
وأكّد القعيد أهمية أن يكون رهان الدولة المصرية على القوة الناعمة متمثلة في الفن والأدب لأنهما يمثلان المخرج الوحيد من المآزق التي تواجه مصر، ما يتطلّب منا تغيير طريقة التفكير ومعالجة القصور في نصوص قانونية تعوق وتقوض عملية الإبداع وتضع كثيراً من أصحاب الأقلام خلف قضبان السجن.من جانبه، قال الروائي الكبير عبدالوهاب الأسواني إنه لا يكاد يصدّق كلام النائب البرلماني في حق أديب نوبل، مشيراً إلى أن فخر مصر الحقيقي قوتها الناعمة سواء من الفنانين أو المبدعين أو الأدباء الكبار أمثال نجيب محفوظ وخيري شلبي وإبراهيم أصلان، إلى آخر المبدعين الكبار الذين ملأوا الدنيا إبداعاً وفكراً وثقافة.وتساءل الأسواني: «أريد أن أعرف ماذا يعني النائب البرلماني بوصف أعمال محفوظ بـ{خدش الحياء» لأن مكونات مصر الثقافية تفرق بين الإبداع وبين الحياء». وأضاف: «لا يكتب الأدباء عن ملائكة، بل عن بشر يعيشون على هذه الأرض بأخطائهم وتجاوزاتهم وألفاظهم وكلماتهم. لكن كلام النائب بمثابة خدش حياء حقيقي للأدب والإبداع».الأديب علاء عبدالهادي، رئيس اتحاد الكتّاب المصريين، أكّد أن كلام أبو المعاطي مصطفى أمر مؤسف ومخجل ولا يجب أن يصدر من نائب اختاره الشعب ليمثله تحت القبة، مضيفاً: «من الضروري لأعضاء مجلس النواب أن يكونوا على ثقافة ومعرفة كاملة بمواد الدستور كي لا يقعوا في مثل هذا الكلام الأجوف»، مشدداً على أن نجيب محفوظ لم يبتكر عبارات غير مهذبة، أو خادشة للحياء، بل كان يعبّر عن مجتمع تعيش فيه هذه الشخصيات فعلاً.
رؤية خانقة للإبداع
توالت تصريحات الأدباء والنقاد المنددة بكلام النائب البرلماني وشملت مواقع التواصل الاجتماعي. قال الناقد الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربي في جامعة القاهرة، إنها قراءات خاطئة لأعمال نجيب محفوظ الأدبية وغيره من كتاب، تنتزع هذه الشخصية أو تلك، أو هذه العبارات أو تلك، من سياقها الكامل، ولا ترى في العمل الأدبي أمراً آخر غيرها، على طريقة «لا تقربوا الصلاة».وأضاف الدكتور حسين حمودة أن محفوظ لم يخترع شخصيات تعاني سقوطاً لأسباب متعددة، ولم يبتكر عبارات غير مهذبة، أو خادشة للحياء، إنما كان يعبّر عن مجتمع تعيش فيه هذه الشخصيات فعلاً، ويتلفظ بعضها بمثل هذه العبارات، موضحاً أن أديب نوبل كان أميناً في تعبيره عن مجتمعه، والأهم أنه طرح السلبيات من منظور يسعى إلى تجاوزها وتخطيها. لكن هذا المعنى لا يصل إلى القراءة السطحية لأعماله.كذلك أكّد أن محفوظ وغيره من آدباء لا يكتبون عن ملائكة، ولكن عن بشر يعيشون على هذه الأرض، بكل ما تحمله من ملامح وهي ليست فردوساً على أي حال، موضحاً أهمية إعادة النظر في قانون خدش الحياء، خصوصاً عند تطبيقه على أعمال أدبية، إذ يجب أن تكون لها قوانينها الخاصة، فلا يصح محاكمة مبدع روائي بسبب عبارة تأتي على لسان إحدى شخصياته، كذلك لا بد من أن يقرأ كل تفصيل في العمل الروائي باعتباره جزءاً من سياق أكبر هو العمل الإبداعي بأكمله.بدورها قالت الأديبة الكاتبة سلوى بكر، إننا في حاجة إلى تغيير عقلية المجتمع لتسهيل عملية تغيير القوانين المكبلة للحريات والإبداع، مضيفة أن التفكير الذي يسيطر على المشهد الآن وبعض أعضاء مجلس النواب «بدائي»، ومن الصعب التحاور والتفاهم أو التواصل مع أصحابه.وأضافت أن المجتمع لا يتفق حول جريمة خدش الحياء، ولا تتوافر آلية تحدّد أشكالها والعقوبات التي تقع عليها، لافتة إلى أن من يجرم بعض الأعمال الأدبية لنجيب محفوظ لا يستحق الرد.الروائي والقاص طارق إمام رأى من جهته أن كلام النائب يؤكد أن ثمة تيارات متطرفة تسيطر على البرلمان المصري، مطالباً بأن يكون المتحدث في مثل هذه الأمور الأدبية على دراية أولاً بمن هو نجيب محفوظ وأن يتمتع بمستوى علمي وأدبي وثقافي يؤهله لوضع قوانين للمجتمع المصري.تابع إمام: «نجيب محفوظ ليس منزهاً عن النقد لكن كلام البرلماني ليس نقداً بل ينم عن عدم معرفة بأهمية «أديب نوبل» من الأساس»، مطالباً بأن تتخلى الدولة عن مثل هذه الآراء الجامدة وتعاود التفكير بشكل مستنير بالأدب والإبداع. كذلك أشار إلى أن أعمال الأديب الراحل لا تخدش الحياء، إنما تعبّر عن قيم جمالية وتأثيرات وأبعاد نفسية حقيقية.وأكّد إمام ضرورة تغيير عقلية المجتمع وتغيير القوانين السالبة للحريات والإبداع، موضحاً أن التفكير الذي يسيطر على المشهد الآن بدائي، ومن الصعب التحاور والتفاهم أو التواصل معه، متسائلاً: «كيف نعاقب روائياً أو أديباً على عبارة جاءت على لسان شخصية من شخصياته، خصوصاً أن محفوظ ألهم البيئة المصرية وقدّم لها نماذج خالدة؟».في السياق نفسه، قال الشاعر إبراهيم داود إن تصريحات نائب البرلمان حول تجريم الأعمال الأدبية لنجيب محفوظ، لا تقل خطورة عن محاولة اغتياله، من ثم لا فارق بينهما في الإرهاب والتطرف، مضيفاً أن تيار الإسلام السياسي يسيطر على مناخ البرلمان ويديره، ومصر هي الخاسرة في النهاية.وختم داود أن هؤلاء يقرّرون مصير مصر، فكيف نؤمن على حرية الإبداع في بلدنا؟! مؤكداً أن الفرق كبير بين الأدب وبين الإيحاءات الخادشة، وأن حصول محفوظ على جائزة نوبل في الأدب تعظّم من موقفه وشأنه.