كان لابُد، بل يجب أنْ يعاد النظر في النظام الدولي السابق، الذي كان بُني على أساس معادلة القوى في الحرب العالمية الثانية وما سبقها، ليس الآن بعد تجربة الأزمة السورية التي لاتزال مفتوحة على شتى الاحتمالات بل قبل ذلك، عندما انهار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينيات القرن الماضي وعندما أصيبت بعض الدول "العظمى" بالإعياء وظهرت في الساحة الدولية دولٌ جديدة ناهضة من بينها الهند والبرازيل وعندما استعادت ألمانيا وحدتها وعندما اختفت منظومة الدول الاشتراكية وتلاشى حلف وارسو الشهير، وأصبح حلف الأطلسي على ما هو عليه الآن من تفكك وانهيار! لقد تأخرت الصين في أخْذ موقعها على هذه "المائدة" الدولية التي تحلّق حولها الذين اعتبروا أنفسهم منتصرين في الحرب العالمية الثانية، والذين كانوا "يتساومون" حسب مصالحهم ووفقاً لقدراتهم المتفاوتة لحلِّ مشاكل العالم الذي شهد حروباً طاحنة على مدى أكثر من نصف قرن من بينها الحرب الكورية والحرب الفيتنامية والحرب الجزائرية (الثورة) وحروب إفريقيا التي أكلت الأخضر واليابس، ومن بينها أيضاً أزمة كوريا الشهيرة التي أوصلت الصواريخ السوفياتية إلى خاصرة الولايات المتحدة الأميركية.
كانت هناك صيغة حق الاعتراض (الفيتو) التي كانت تلجأ إليها الدول التي اتفقت على أن من حقها أن تتحكم في مصير العالم كله على اعتبار أنها دولٌ عظمى، وكانت تقتصر على الولايات المتحدة وبريطانيا (العظمى) وفرنسا وروسيا (الاتحاد السوفياتي) قبل أن تنضم إليها الصين الشعبية التي كانت فرضت نفسها على هذه المعادلة بقوة الأمر الواقع، لكن، في كل الأحوال، كان انهيار الدول السوفياتية وانفراط عقد المنظومة الاشتراكية يجب أن يدفع الدول الصاعدة إلى فرض وجودها، وكان يجب أن يُعاد النظر في هذه المعادلة كلها، وأن يبنى النظام الدولي وفقاً لبروز دول جديدة كالبرازيل والهند... والمجموعة العربية، لو أنها منضوية في إطار واحد هو هذه "الجامعة" التي لم تعد تجمع دولها ولو بالحدود الدنيا. المهم... مع بقاء الأوضاع في مجلس الأمن الدولي على ما هي عليه، حسب نظامه الموروث من القرن الماضي، بإمكان أيٍّ من دوله تعطيل قراراته، وحيث إنَّ فلاديمير بوتين المُنفلت من عقاله تمكّن من منع هذا المجلس من اتخاذ أيّ قرار جديٍّ وفعليٍّ يضع حداًّ للمجازر التي ارتكبها نظام بشار الأسد، ومعه الروس والإيرانيون ضد الشعب السوري الذي غدا موزعاً بين المقابر والمعتقلات وبين التشريد، والذي تحول بلده سورية العظيمة إلى أكوام من الحجارة والدمار، وإلى مخيمات ذل في الدول القريبة والبعيدة . الآن هناك دعوة وجهتها أربع دول، حتى الآن، هي المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر والإمارات لأنْ تأخذ الجمعية العامة للأمم المتحدة دورها المفترض في ظل "تعطيل" قيصر روسيا الجديد فلاديمير بوتين لمجلس الأمن الدولي بالنسبة للأزمة السورية التي غدت بسبب هذا التعطيل مأساة عالمية فعلية، وحقيقية فإن الاستجابة لهذه الدعوة ليست مشكوكاً فيها فقط بل قد تكون مستحيلة و"دونها خرْط القتاد"، وبخاصة إذا سارت الإدارة الأميركية على طريق سابقتها، وإذا ثبت أن "شهاب الدين أسوأ من أخيه"!
أخر كلام
دعوة مهمة... ولكن!
05-12-2016