في يومياته الممتعة تحدث السفير عبدالله بشارة، أول أمين عام لمجلس التعاون الخليجي، عن ظروف نشأة مجلس التعاون قبل 35 عاماً، والمخاطر التي كانت تواجه الخليج، ولخصها في 6 مخاطر، أبرزها: بروز الدور العراقي الدكتاتوري والاستفزازي لدول الخليج، إثر تراجع الدور المصري وانكفائه بعد كامب ديفيد، وسقوط نظام الشاه وتفرغ إيران الإسلامية لسياسة تصدير الثورة، والحرب العراقية الإيرانية وتداعياتها السلبية على الأمن الخليجي، وعلى حدوده الجغرافية المتوارثة، والتمرد الظفاري اليساري المدعوم من التحالف الثلاثي: اليمن، وليبيا، وأثيوبيا، وإحاطة دول المجلس بتحالفات أيديولوجية معادية، والتغيرات في الساحة الدولية إثر غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، وبروز النزعة التوسعية لموسكو، طمعاً في المياه الدافئة في الخليج. صور بشارة في في تلك اليوميات الرائعة الأجواء الاستفزازية الكريهة، التي واجهها قادة الخليج في قمة بغداد 1980، وعمليات الترهيب والتهديد التي واجهتها الوفود الخليجية، بهدف ممارسة الضغوط عليهم ودفعهم لقبول القرارات التي تريدها بغداد بعزل مصر ونقل مجلس الجامعة من القاهرة.
يقول بشارة: إن هذه المخاطر أهم دوافع قيام المجلس، فقد استشعر القادة المؤسسون حجم المخاطر المحدقة بالخليج، فكانت إرادتهم الإجماعية بضرورة قيام كيان خليجي متعاون، يحصن البيت الخليجي من المخاطر، وهكذا قاد الآباء المؤسسون، بموروث الحنكة والحكمة، سفينة التعاون في بحر لجي، ورياح هوجاء، إلى بر الأمان، لينعم الخليج اليوم: أماناً واستقراراً وازدهاراً، وليصبح أكبر منطقة جاذبة للبشر والاستثمارات والخدمات والسلع والعقول المبتكرة. نجح الخليجيون في مواجهة تحديات الأمس، لكن الخليج يواجه اليوم تحديات مصيرية جديدة، هي: أولاً: تحديات خارجية، أبرزها: التدخلات الإيرانية في البيت العربي عبر وكلائها المحليين الذين اتخذوا ميليشيات تهدد الدولة الوطنية، ولا ننسى في هذا السياق دور الحليف الأميركي المتخاذل، الذي أطلق العنان لنظام ولاية الفقيه، إثر اتفاقه النووي، ليعربد في الأرض العربية فساداً: هدماً للدولة، وتفكيكاً للمجتمع، يضاف إلى ذلك: صراعات قوى دولية وإقليمية أخرى طامعة في اقتسام مغانم حروب طائفية وأيديولوجية، وهناك: تغييرات عالمية كبرى منتظرة: تحالفات قائمة قد تتداعى، وتكتلات جديدة قادمة، إثر انتعاش المد الشعبوي الأوروبي والأميركي، الذي صعد نجم الأحزاب اليمينية الأوروبية، وفصل بريطانيا عن أوروبا، وأنتج نصر ترامب، ويسعى إلى فوز "ترامب" الفرنسي: فرانسوا فيون، مرشح اليمين لرئاسة فرنسا. هذه التحديات الجديدة ليس بمقدور أي دولة خليجية مواجهتها، لأنها تتطلب استجابة جماعية متحدة، أولا، كما تتطلب استجابة مختلفة، ثانياً، أي: تطوير المنظومة التعاونية الخليجية التي استنفدت أغراضها، إلى منظومة أكثر فاعلية، قادرة على تحقيق نوع من التكتل السياسي والاقتصادي والأمني الأقوى، والمحصن للأمن الخليجي المشترك، والمحقق لقوة الردع، والمعتمد على الذات أكثر من اعتماده على الحليف الخارجي، وبخاصة أن عالم الغد لا مكان فيه إلا للتكتلات الاقتصادية والسياسية. ثانياً: تحديات داخلية، أهمها: إرهاب متنقل يختطف شبابنا ليحولهم إلى قنابل متفجرة، وطوفان بشري متدفق إلى الخليج- من دول الفائض السكاني ودول المجاعة- يشكل عبئاً مدمرا للخدمات والمرافق والجودة النوعية للحياة، ويشعر الخليجيون كأنهم غرباء في أوطانهم! واقتصاد ريعي متذبذب، مرتهن بأسعار العرض والطلب العالمية، والفساد المستشري في البنية المجتمعية والهياكل الإدارية، وجيل جديد من الشباب يشكل أغلبية، لديه طموحات كبيرة وتطلعات واسعة، عجول، لا يملك تأنيا ولا قناعة جيل آبائه. هذه التحديات الداخلية تتطلب من حكوماتنا، سلسلة من الإصلاحات الشاملة، منها: تفعيل مفهوم المواطنة المتساوية في الوظائف العامة والتعليم والعلاج والإسكان والتقاضي والثروة والاستثمار، ومكافحة الفساد المالي والإداري بإحكام الرقابة والشفافية، وإعمال سيادة القانون، وضمان استقلال القضاء واحترام أحكامه، واتخاذ إجراءات عملية ملموسة لتصحيح الخلل السكاني، وتفعيل تشريعات التوطين، وتطوير قوانين الجنسية بمنح الجنسية لمن ولد وأقام في الخليج، وكذلك الكفاءات العربية، وحق الأم الخليجية منح جنسيتها لأولادها وزوجها، وتطوير الخطابين: الديني والتعليمي لمواجهة الفكر المتطرف، وأخيراً: كسب الشباب باعتبارهم قضية أمن خليجي. * كاتب قطري
مقالات
الخليج ومواجهة التحديات القادمة
05-12-2016