تشير بيانات الأمم المتحدة والحكومة العراقية إلى تصاعد متسارع في أعداد النازحين الجدد من حرب الموصل التي اندلعت منتصف أكتوبر الماضي بهدف طرد مقاتلي "داعش" من المدينة. وتفيد آخر التقارير بأن مئة ألف موصلي هربوا من المدينة خلال الأسابيع الأخيرة وهم يعيشون ظروفاً يصعب وصفها في البراري المعروفة بشتائها القاسي، وسط تناقص موارد الدولة والمنح الخارجية التي يفترض أن تخفف معاناتهم.
وتوضح المصادر العسكرية أن 45 يوماً من المعارك أدت إلى تحرير نحو 300 ألف موصلي من هيمنة "داعش"، في حين بقي نحو مليون مدني في أحياء المدينة الأخرى منتظرين حرباً تبدو هي الأكثر فتكاً بعدما جرى تطويق مركز محافظة نينوى من جهاته الأربع، إثر تطور الخطط العسكرية التي تنفذها 60 دولة تقريباً مع ميليشيات متنوعة الأديان والقوميات، مما ينتج شيئاً بمنزلة حرب عالمية جديدة ضد عصابة تتولى تطوير أساليب العنف بأكثر الأشكال غرابة وابتكاراً.وتنشغل صحافة العراق والعالم برصد أوضاع 300 ألف موصلي نجوا من "داعش"، لكنهم يعيشون محنة لا تقل عن سابقتها، وبغض النظر عن البرد ونقص المعونات في مخيمات النزوح، يعيش المدنيون ظروفاً لا يحسدون عليها، إذ تتناقص إمدادات المياه والطعام، وتتعرض الأحياء السكنية إلى قصف مزدوج من التحالف الدولي ومن تنظيم داعش، الذي يعتبر أهالي الموصل خونة ومرتدين لأنهم لم يبادروا لتأييده والتطوع في صفوفه.ويقول الناجون إنهم عاشوا أيام رعب لا تصدق، فصواريخ الطائرات والراجمات العراقية والدولية تستهدف مناطقهم بهدف تحييد قوات "داعش" المحتشدة وسط المنازل، وحين ينسحب مقاتلو التنظيم فإنهم يقومون بقصف عشوائي لتلك الشوارع، فضلاً عن ابتكارهم أبشع الأساليب في تفخيخ المنازل والعربات وتفجيرها عن بعد، حتى إن مستشفيات المدن القريبة مثل أربيل وتكريت باتت مزدحمة بالمدنيين الذين يعانون إصابات حرجة جداً، وبأعداد متزايدة لا يتيسر للصحافيين الحصول على إحصائية بشأنها، بسبب سياسة تعتيم صارمة تنتهجها كل الأطراف في حرب الدعاية السائدة هذه الأيام.ويقول كثير من الموصليين إنهم جاهزون لتحمل أعلى التكاليف من أجل طرد مقاتلي "داعش"، لكن نوع المعاناة الإنسانية وويلات الحرب تبدو هي الأقسى مقارنة بكل المعارك الأخرى، لأن "الموصل" هي أكبر مدينة احتلها التنظيم، وهي مأهولة بأعداد كبيرة من السكان بوصفها ثاني أكبر مدن العراق مع بغداد، إلى درجة أن الجميع يتفقون في أن الرأي العام ينتظر أياماً صعبة في هذه المعارك التي نجحت بعد ستة أسابيع من القتال في تحرير أقل من ربع المدينة، رغم استبسال نادر للقوات العراقية ودعم منقطع النظير من التحالف الدولي.ولا تقتصر التضحيات على المدنيين، فتشكيلات النخبة داخل الجيش العراقي وأجهزة القوات الخاصة تعاني فقدان أكثر عناصرها شجاعة، بالرغم من تطور أدائها وتزايد خبرتها في التعامل مع تكتيكات "داعش" القتالية، ولا سيما أساليب القنص والحركة الخفية عبر الأنفاق وهو أسلوب مستورد من الحرب السورية.ولا توجد بيانات رسمية عن عدد القتلى في صفوف الجيش الحكومي، لكن شوارع أربيل تزدحم بسيارات الإسعاف على مدى النهار والليل، وهي تنقل المصابين والحالات الحرجة من مطار المدينة إلى مستشفياتها، في حين يهرع الناشطون المدنيون إلى تنظيم حملات التبرع بالدم وإغاثة الضحايا أملاً في تخفيف ويلات هذه الحرب.وبينما بدا أن التحالف الدولي والحكومة متفائلين قبل أسابيع، بخسائر أقل في هذه المعارك، أفادت المؤشرات بأن هناك معركة لم تبدأ بعد في الجانب الغربي من الموصل حيث تحصينات "داعش" وحشوده، كما أن سيناريو هروب التنظيم لم يعد متاحاً بعد تطويق المدينة من النواحي الأربع، فضلاً عن تزايد الخلافات المتعلقة بنموذج الإدارة بعد طرد "داعش"، وكل هذا يجري وسط انشغال واشنطن بانتقال السلطة بين الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب، الذي لا يتاح تصور واضح لخططه بشأن الحرب على الإرهاب حتى الآن.
«الثأر» يمنع أكثر من ألفي أسرةمن العودة إلى ديالى
كشفت لجنة إعادة نازحي ديالى أمس عن وقوف الثارات العشائرية وراء تأخير عودة أكثر من 2000 أسرة نازحة إلى المناطق المحررة داخل المحافظة.وقال نائب رئيس لجنة إعادة نازحي ديالى علي السعدي إن "الثارات العشائرية وأغلبها قديمة تعود لحقبة أعوام 2006-2007 تقف وراء تأخير عودة أكثر من 2000 أسرة نازحة إلى منازلها في المناطق المحررة بديالى، وهذا أمر لا يخفى على أحد".وأضاف السعدي، أن "رئيس مجلس النواب سليم الجبوري تدخل بشكل مباشر في إنهاء الثارات وإيجاد حلول موضوعية تسهم في إعادة الأسر النازحة إلى منازلها من خلال التنسيق مع زعماء القبائل والعشائر في ديالى، لإنهاء الثارات والعمل على تعزيز الأمن المجتمعي والسلم الأهلي بما يؤدي إلى تضافر جهود إنهاء مأساة النازحين".وكان مصدر محلي في ديالى كشف عن وجود ثأر عشائري يعود لعام 2006 يمنع عودة أكثر من 500 أسرة نازحة إلى قرية محررة شمال شرق بعقوبة.