لو كانت إفريقيا بلداً لكان فيدل كاسترو أحد أبطاله الوطنيين. قد يشكّل هذا الواقع مفاجأة لكثيرين ممن لم يطلعوا على تاريخ إفريقيا بعد الاستعمار ودور كاسترو فيه، وخصوصاً مصير الأنظمة البيضاء والمستعمرات البرتغالية السابقة في جنوب إفريقيا.في الغرب يُعتبر إرث كاسترو غالباً استبدادياً وكوبا دولة ذات حزب واحد تفترق إلى الحريات، لكن التاريخ أنصف كاسترو في ما يتعلق بسياسة كوبا الخارجية، وخصوصاً في إفريقيا.
يفوق ما حققه نظام كاسترو للكوبيين المتحدرين من أصول إفريقية في خمسين سنة كل ما قدمته الإدارات السابقة طوال الأربعمئة سنة الماضية. بدأ تدخل كوبا في إفريقيا مع دعمها نضال التحرير الجزائري ضد فرنسا، ثم انتقل إلى الكونغو. في عام 1964 أوفد كاسترو مبعوثه الخاص تشي غيفارا في زيارة إلى عدد من الدول الإفريقية دامت ثلاثة أشهر، واعتقد الكوبيون أن الأوضاع كانت ملائمة للثورة في وسط إفريقيا وأرادوا مد يد المساعدة، حسبما يذكر المؤرخ بييرو غليخيسيس. وكما أخبر غليخيسيس برنامج Democracy Now! في شهر ديسمبر عام 2013، أدرك الأفارقة الجنوبيون مع قبول البيض بمانديلا أهمية انتصارات كاسترو، وكتبت صحيفة سوداء إفريقية جنوبية عن المواجهات التي خاضها في إفريقيا: "تركب إفريقيا السوداء قمة موجة ولّدها الانتصار الكوبي في أنغولا".يتذكّر غليخيسيس أن مانديلا كتب من جزيرة روبن: "هذه أول مرة يأتي فيها بلد من قارة أخرى ليس ليأخذ منا أمراً ما، بل ليساعد الأفارقة في نيل حريتهم". في خطاب أدلى به فيدل كاسترو عام 1998، أخبر برلمان جنوب إفريقيا خلال زيارته الأولى إلى هذا البلد أنه مع نهاية الحرب الباردة، كان ما لا يقل عن 381432 جندياً وضابطاً كوبياً متأهبين للمشاركة في القتال "أو يحاربون يداً بيد مع الجنود والضباط الأفارقة في هذه القارة في سبيل الاستقلال الوطني أو ضد الاعتداءات الأجنبية". وخسر كوبيون كثر حياتهم في هذه الحروب. في عام 1987 أفادت صحيفة "لوس أنجلس تايمز": "لقي 10 آلاف جندي كوبي حتفهم في أنغولا منذ عام 1976، مما يُعتبر نسبياً أعلى بكثير من الوفيات الأميركية في فيتنام".بالنظر إلى هذا التاريخ، لا عجب في أن يتوجه مانديلا خلال إحدى رحلاته الأولى خارج جنوب إفريقيا بعد تحرره إلى هافانا. هناك وصف مانديلا كاسترو عام 1991 بـ"مصدر الإلهام لكل محبي الحرية". وفي ختام زيارته إلى كوبا، ردّ مانديلا على انتقاد الأميركيين وفاءه لكاسترو، قائلاً: "توَجَّه إلينا اليوم نصائح بشأن كوبا من شعب دعم نظام الفصل العنصري طوال الأربعين سنة الماضية. ما من إنسان نزيه يقبل النصائح من شعب لم يكترث مطلقاً بنا في أحلك الظروف".انتهت الحرب الباردة منذ زمن بعيد، إلا أن كوبا واصلت تدخلها في القارة الإفريقية، وقد شمل هذا التدخل تدريب الأفارقة في جامعات كوبية، وعندما تفشى مرض الإيبولا في ثلاث دول إفريقية غربية، اضطر منتقدو كوبا الأميركيون أنفسهم إلى الإقرار بمساهمة كوبا في التخفيف من هذه الأزمة، ففي إحدى مراحل أزمة الإيبولا، قدّمت كوبا، التي لا يتجاوز عدد سكانها 11 مليوناً، أكبر مجموعة من العمال الطبيين الأجانب، مقارنة بأي دولة أخرى كانت تعمل إلى جانب الأطباء الأفارقة.كان الرئيس راوول كاسترو مصيباً تماماً في الخطاب الذي ألقاه في جنازة نيلسون مانديلا عام 2013، في جوهانسبورغ، ذكّر راوول الحضور: "لن ننسى مطلقاً تكريم مانديلا المؤثر لنضالنا المشترك عندما قال خلال زيارته لبلدنا في 26 يوليو عام 1991: للشعب الكوبي مكانة خاصة في قلوب شعوب إفريقيا".وإذا اختار راوول كاسترو أن ينسب الفضل في كل هذه المحبة إلى أخيه الأكبر فيدل، فلا أحد يستطيع لومه.* «الغارديان»* شون جايكوبز
مقالات
لمَ يعتبر أفارقة كثر فيدل كاسترو بطلاً؟
06-12-2016