طالبت المحكمة الإدارية وزارة الداخلية بتنفيذ الحكم القضائي الصادر بتسليم الجنسية وجواز السفر إلى الناشط عبدالله فيروز، بعد ثبوت نسبه إلى والده الكويتي، معتبرة أن عدم تنفيذ الأحكام القضائية يتضمن امتهانا وإذلالا للمدعي، خصوصا بعد حصوله على حكم قضائي يعد عنوان الحقيقة.وقالت المحكمة، التي أصدرت حكمها برئاسة المستشار محمد بهمن، وعضوية القاضيين د.محمد العويرضي وإيهاب جبر، بعد إلزامها وكيل وزارة الداخلية بصفته بتعويض فيروز مبلغ 5001 دينار على سبيل التعويض المؤقت، إن الجهة الإدارية ممثلة في الوزارة، والمنوط بها تنفيذ أحكام القضاء الإداري الملزمة بالنزول على مقتضاها خضوعا وامتثالا لها باعتبارها من النظام العام، بل هي في أعلى مدارجه وعلى القمة من أولوياته.
تعويض مؤقت
واضافت المحكمة أن «المدعي عبدالله فيروز ينشد من دعواه القضاء بقبولها شكلا، وفي الموضوع بإلزام المدعى عليه وكيل الداخلية بصفته بأن يؤدي إليه مبلغا قدره 5001 د.ك على سبيل التعويض المؤقت عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به من جراء الامتناع عن إصدار شهادة الجنسية وجواز سفر له، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبإلزام المدعى عليه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة الفعلية».وزادت: «ان مناط مسؤولية جهة الإدارة عن التعويض عن قراراتها هو ثبوت الخطأ المتمثل في إصدارها قرارا غير مشروع أو امتناعها دون مبرر عن اتخاذ قرار كان يجب عليها اتخاذه وفقا للقانون، وأن يترتب على هذا الخطأ ضرر، وتكون هناك علاقة سببية مباشرة بين الخطأ والضرر».وتابعت أن «الضرر المادي يتحقق بالإخلال بمصلحة مالية معتبرة للمضرور، والضرر الأدبي يتحقق بما يلحق بالإنسان من أذى نفسي نتيجة المساس بشرفه أو سمعته أو اعتباره أو مركزه الاجتماعي بين الناس، وأن استخلاص الضرر الموجب للتعويض ومداه من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع متى أقام قضاءه على أسباب سائغة».التعويض الجابر
واردفت المحكمة: «ان التعويض الجابر للضرر –متى قامت أسبابه ولم يكن في القانون نص يلزم باتباع معايير وطرق معينة في خصوصه– هو من سلطة قاضي الموضوع بغير معقب متى كان قد بين عناصر الضرر ووجه أحقية طالب التعويض فيه، واعتمد في تقديره على أساس معقول».ولفتت إلى أن «حق التقاضي هو بمنزلة ترضية قضائية إن لم تقترن بوسائل الحمل على تنفيذها فقدت قيمتها، وكلما تعذر أداء الحقوق لأصحابها وكان سند اقتضائها مستوفيا لقوة نفاذه صار مبدأ الخضوع للقانون سرابا، ويغدو عبثا كذلك تأسيس حقائق العدل وتثبيتها».وقالت: «لا شك في أن ولاية القضاء، التي حددها الدستور وأرسى دعائمها، غايتها إيصال الحقوق لأصحابها، وحمل من ينازعون فيها عنتا على ردها لأربابها، تقديرا بأن الحماية القضائية للحق أو الحرية لازمها أن يكون الطريق إليها عبورا إلى محصلتها النهائية وانتقالا بها من مرحلة التداعي إلى وسائل فرضها على من يجحدونها».واردفت: «من هذا المنطلق لم يترك المشرع أمر تنفيذ أحكام القضاء سدى، وإنما أسبغ عليها –بعبارات صريحة الدلالة واضحة المعنى– القواعد الخاصة بقوة الأمر المقضي به وأوجب تنفيذها».وأوضحت المحكمة أنه «ولما كانت الجهة الإدارية هي المنوط بها تنفيذ أحكام القضاء الإداري والملزمة بالنزول على مقتضاها خضوعا وامتثالا لها، باعتبارها من النظام العام، بل هي في أعلى مدارجه وعلى القمة من أولوياته، فإنه يتعين عليها تنفيذ تلك الأحكام، وقد جرمت المادة 58 مكرر من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية، وجعلت من امتناع الموظف العام عن تنفيذها جريمة تستوجب العقاب بالحبس والعزل من الوظيفة، وذلك إمعانا من المشرع في وضع سياج منيع يحول دون النيل من احترام الأحكام القضائية، أو تعطيل تنفيذها وعدم إعمال مقتضاها، كما أنه من المقرر كذلك أن حجية الأمر المقضي به تسمو على قواعد النظام العام، وأن الأحكام القضائية هي عنوان الحقيقة، بل هي أقوى من الحقيقة ذاتها.قال كلمته
وبينت المحكمة أن الثابت من الأوراق والمستندات، وأخصها الحكم الصادر في الدعوى رقم 496/ 2006 إداري بتاريخ 26/ 10/ 2008 والحكم الصادر في الدعوى رقم 2363/ 2012 إداري بتاريخ 14/ 5/ 2013، اللذين أصبحا نهائيين وحائزين لقوة الأمر المقضي به أن القضاء الإداري قال كلمته في النزاع الذي ثار بين المدعي ووزارة الداخلية بشأن حقه في الحصول على شهادة جنسية كويتية وجواز سفر له، فحكمت المحكمة بإلغاء القرارين الإداريين السلبيين بالامتناع عن إصدارهما له، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وقد جاء في حيثيات الحكم الصادر في الاستئنافين رقمي 1570 و1573/ 2013 إداري بتاريخ 23/ 12/ 2014 أن المدعي تحصل على حكم بات في «التمييز» رقم 333/ 2011 إداري بتاريخ 30/ 5/ 2012 يقضي بإلغاء القرار الإداري السلبي بالامتناع عن إصدار شهادة الجنسية الكويتية له، مع ما يترتب على ذلك من آثار، كما أنه تحصل على حكم نهائي في الاستئناف رقم 529/ 2011 إداري بتاريخ 20/ 1/ 2013 يقضي بإلغاء القرار الإداري بسحب جواز سفره، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإذ وضع الحكمان موضع التنفيذ، إلا أن جهة الإدارة امتنعت عن ذلك من دون مبرر صحيح، مما يشكل قرارا إداريا سلبيا، كما جاء في حيثيات ذلك الحكم أيضا أنه على جهة الإدارة أن تبادر إلى التنفيذ، وأن تحترم الأحكام القضائية الصادرة باسم صاحب السمو أمير البلاد، وإذ كان الثابت من دفاع الحكومة إقرارها بأنها لم تنفذ الحكمين الذين تحصل عليهما المدعي بحجة وجود حكم على والدته، وكان هذا الأمر – أيًا كان وجه الرأي فيه – لا يعد مطروحا على المحكمة، لأن موضوع الدعوى الماثلة ينصب على التعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بالمدعي من جراء الامتناع عن إصدار شهادة الجنسية الكويتية وجواز سفر له وتراخي جهة الإدارة في تنفيذ الأحكام.أقوى من الحقيقة
وبينت المحكمة أنه «إذ كانت الأحكام القضائية هي عنوان الحقيقة، بل هي أقوى من الحقيقة ذاتها، وكانت الأحكام الصادرة بالإلغاء حجة على الكافة بالنظر إلى الطبيعة العينية لدعوى الإلغاء، فإذا حكم بإلغاء أي قرار إيجابي أو سلبي، فإن جهة الإدارة تلتزم بتنفيذ الحكم من دون أن يكون لها أن تمتنع عن التنفيذ أو تتقاعس عنه على أي وجه من الوجوه نزولا على حجية الأحكام والتزاما بسيادة القانون، ولا يجوز لها قانونا إهدار تلك الحجية إلا بالتظلم من الحكم بطرق الطعن المناسبة، فإذا تحصن الحكم وصار نهائيا وباتا، فلا يجوز من بعد قبول أي دليل ينقضه ولو بأسباب قانونية أو أدلة واقعية جديدة، الأمر الذي يكون معه عنصر الخطأ ثابتا في حق جهة الإدارة ولا ريب.وشددت المحكمة على أنه اذا كان الخطأ الثابت في حق جهة الإدارة قد ألحق بالمدعي أضرارا مادية وأدبية جمة من أبرزها أنه كان يأمل في ممارسة حياته بصورة طبيعية كمواطن كويتي له الحق في الرعاية السكنية والرعاية الصحية وتولي الوظائف العامة والتعليم المجاني... إلخ، وأن إصرار جهة الإدارة على عدم التنفيذ له انطوى على معنى امتهانه وإذلاله والإخلال بكرامته ووضعه بين القيل والقال في المجتمع المحيط به، كما أنه حكم عليه جزائيا بالحبس والإبعاد عن البلاد، لأنه لم يستطع إثبات جنسيته الكويتية، ذلك أن عقوبة الإبعاد – وفقا للمادة 79 من قانون الجزاء – لا يحكم بها إلا على الأجانب، هذا فضلا عن شعوره بالحزن والألم والأذى النفسي الذي يشعر به بطبيعة الحال كل صاحب حق مسلوب، وإذ كانت هذه الأضرار قد ارتبطت بالخطأ بعلاقة السببية ارتباط السبب بالمسبب، وكان من المقرر أن الفرصة وإن كانت أمرا محتملا، إلا أن تفويتها أمر محقق، ولا يمنع القانون أن يحسب في الكسب الفائت ما كان المضرور يأمل في الحصول عليه من كسب، مادام لهذا الأصل أسباب مقبولة، الأمر الذي تضحى معه الدعوى قائمة على أساس صحيح حرية بقبولها.