باتت إيطاليا، ثالث اقتصاد في منطقة اليورو، على أعتاب أزمة سياسية غير واضحة المعالم، بعد استقالة رئيس الحكومة اليساري ماتيو رينزي، غداة هزيمته في الاستفتاء على إصلاحات دستورية لإلغاء نظام الأقاليم.

وقدم رينزي استقالته للرئيس سيرجيو ماتاريلا، رئيس الدولة المتكتم الذي عليه إدارة الانتقال. ويمكن أن يدعو الرئيس الى انتخابات مبكرة، أي على الأرجح تعيين حكومة "تكنوقراط" شهدت مثلها ايطاليا من قبل، تكلف تعديل القانون الانتخابي. وكان رينزي رفض قيادة هكذا حكومة.

Ad

وسيتشاور ماتاريلا مع زعماء الأحزاب قبل أن يعين رئيس وزراء جديدا ليكون رابع رئيس وزراء يعين دون تفويض انتخابي، وهي حقيقة تؤكد هشاشة النظام السياسي في إيطاليا.

ورفضت غالبية ساحقة من الإيطاليين الإصلاح الدستوري الذي اقترحه رينزي، وفق ما أظهر استطلاع لدى خروج الناخبين من مراكز الاقتراع. وقد حصلت "لا" على 58 في المئة من نسبة الأصوات، فيما حصلت "نعم" على نحو 42 في المئة. وأعلنت وزارة الداخلية أن نسبة المشاركة بلغت 57.22 في المئة، أي حوالي 33 مليون ناخب.

الشعبويون

وقد طالبت حركة "رابطة الشمال" وحزب "خمس نجوم" الشعبويان، أمس، بإجراء انتخابات "في أسرع وقت ممكن".

وقال حزب المعارضة الرئيسي في إيطاليا المناهض لليورو (حركة خمس نجوم) إن الإيطاليين ينبغي أن يتوجهوا على الفور إلى صناديق الاقتراع بعد استقالة رينزي. وقال المشرع البرلماني عن "حركة خمس نجوم" فيتو كريمي: "نحن في حاجة إلى إجراء انتخابات على الفور". وقال كريمي وزملاؤه في الحزب: ليست هناك حاجة إلى تعيين حكومة مؤقتة لتعديل قوانين الانتخابات، كما هو مقترح من قبل معظم الساسة.

وقال لويجي دي مايو الذي يتردد أنه مرشح الحركة لرئاسة الوزراء: "اعتبارا من غد سنبدأ في العمل على صوغ البرنامج المستقبلي لحركة خمس نجوم وفريق العمل الذي سيشكل الحكومة المستقبلية".

وقال رئيس "رابطة الشمال" ماتيو سالفيني المتحالفة مع حزب "الجبهة الوطنية" الفرنسي: "نحن مستعدون للتصويت في أسرع وقت ممكن، بأي قانون انتخابي"، وأضاف: "نعتقد أن ايطاليا لا يمكنها تحمل أشهر عدة من النقاشات حول النظام الانتخابي الجديد".

والقانون الانتخابي المعتمد حاليا وتم تبنيه في مايو 2015 ينص على منح غالبية في مجلس النواب للحزب الذي ينال أكثر من 40 في المئة من الأصوات من الدورة الأولى أو للائحة التي تفوز بدورة ثانية محتملة بين الحزبين اللذين تقدما النتائج. ولم يستخدم هذا القانون بعد ورفع طعن ضده امام المحكمة الدستورية.

وبحسب آخر استطلاعات الرأي، فإن الحزب الديمقراطي (يسار الوسط) الذي يتزعمه رينزي سيحل أولا في الدورة الأولى إذا جرت الانتخابات الآن، لكن سيخسر الدورة الثانية أمام حركة "خمس نجوم". لكن هذه الحركة التي ترفض أي تحالفات، ستواجه حينذاك صعوبة في ايجاد غالبية في مجلس الشيوخ.

حكومة تكنوقراط

ويبدو أن كل الأحزاب الأخرى متفقة على ضرورة إجراء تعديل انتخابي جديد، أي تعيين حكومة "تكنوقراط" من مهامها الأولى تمرير الميزانية. وحتى قبل الاستفتاء، طرحت أسماء عدة لتولي رئاسة الحكومة، بينها بيير كارلو بادوان وزير المالية الذي ألغى مشاركته في اجتماع مجموعة اليورو في بروكسل ليبقى في روما. ويمكن أن يعين على أمل طمأنة الأسواق التي تخشى مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي في ثالث اقتصاد بمنطقة اليورو.

وبعد أكثر بقليل من ألف يوم على رأس الحكومة، وهي عتبة لم يتجاوزها قبله سوى بيتينو كراكسي وسيلفيو برلوسكوني، يترك رينزي بعده إيطاليا وقد عادت الى النمو، لكن ليس بنسب كافية لتغيير الوضع على الأرض.

وكان رينزي وصل الى السلطة في فبراير 2014 بناء على برنامج إصلاحات واسع وتجاوز الطبقة السياسية القديمة في بلده. لكن على الرغم من حيوية لا ينكرها أحد، لم ينجح في اقناع الايطاليين.

ودعت أغلبية واسعة من الطبقة السياسية من اليمين التقليدي الى التيارات المتطرفة وحتى "المتمردين" اليساريين في الحزب الديمقراطي الذي يتزعمه رينزي، الى التصويت بـ "لا"، منددة بتركز الصلاحيات بأيدي رئيس الحكومة.

غضب وإحباط

وقال ماريو كالابريزي مدير صحيفة "لا ريبوبليكا" في افتتاحية إن "فوز اللا رعاه كثيرون". لكنه أضاف انه الى جانب هذا التوافق السياسي و"تعبئة الذين يريدون تجنب أي تعديل في الدستور"، يجب الإشارة الى "الغضب والإحباط والاستياء: اصوات الذين قالوا لا للبطالة وللأوضاع الهشة وللشكوك وللإفقار وكذلك للمهاجرين".

ولم يعرف ما اذا كان رينزي سيغادر قيادة حزبه ايضا المنقسم أيضا بعد معركة الاستفتاء التي دفعت عددا من قادته الى الانضمام الى معسكر رافضي الإصلاحات الدستورية.

ردود دولية

وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما والمستشارة الالمانية انغيلا ميركل ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، دعوا الإيطاليين الى تأييد الإصلاحات.

وأعرب زيغمار غابرييل نائب ميركل عن أمله في أن تظل إيطاليا على النهج الذي تتبعه حاليا حتى بعد انتهاء عصر رينزي. وقال غابرييل، الذي يشغل أيضا منصبي وزير الاقتصاد الاتحادي وزعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك بالائتلاف الحاكم في ألمانيا: "أمل في المضي قدما على الطريق المتبع نحو الحداثة" وأن تبني الحكومة المستقبلية على الإنجازات المحققة، "لأن الشعبويين هم فقط المستفيدون من حالة السكون".

من ناحيته، عبر الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا هولاند عن "احترامه" لقرار رينزي الاستقالة، وأمل أن تتمكن إيطاليا من "تجاوز هذا الوضع". وحيا الرئيس الفرنسي "دينامية رينزي وصفاته التي وضعها في خدمة الإصلاحات الشجاعة من أجل بلاده"، مضيفا أنه يشاطر رينزي "رغبته في توجيه أوروبا نحو النمو وفرص العمل". وقبل أيام أعلن هولاند أنه لن يترشح لولاية ثانية، وهو أمر غير مسبوق منذ عام 1958 في فرنسا.

تراجع معقول في الأسواق

تراجع اليورو أمام الدولار إلى أدنى مستوى له في 20 شهرا، بعد فوز الـ "لا" في الاستفتاء بإيطاليا، الذي تلته استقالة رئيس الحكومة ماتيو رينزي، فيما سجلت أسواق المال في آسيا انخفاضا، بسبب القلق على ثالث اقتصاد في منطقة اليورو.

وفتحت بورصتا باريس وفرانكفورت على انخفاض أيضا بنسبة 0.46 و0.18 في المئة على التوالي، فيما تمكنت بورصة لندن من تجاوز الشكوك المحيطة باستفتاء إيطاليا، وفتحت على ارتفاع نسبته 0.56 في المئة.

وفي إيطاليا نفسها، خسرت بورصة ميلانو 1.25 في المئة، فيما سجلت أسهم المصارف انخفاضا كبيرا بلغ 6.29 في المئة "لبانكو بوبولاري"، و5.81 في المئة لـ"بانكو بوبولاري دي ميلانو"، و5.81 في المئة لـ"اونيكريديت"، و5.18 في المئة لـ"بي ام بي اس". وأسباب هذا التراجع، هي مشاكل مرتبطة برسملة المصارف وحجم الديون المشكوك فيها في محافظها، وكذلك نقص تعزيز القطاع، الذي يشمل 700 مؤسسة في إيطاليا.

وسجلت بورصة ميلانو أمس تحسنا، بعدما فتحت على انخفاض نسبته اكثر من 1 في المئة، وارتفع سعر اليورو، الذي تراجع ليلا إلى أدنى مستوى له منذ مارس 2015.

وارتفع معدل فائدة الإقراض لعشر سنوات في إيطاليا إلى 2.027 في المئة، مقابل 1.902 في المئة عند الإغلاق مساء الجمعة، ما يدل على أن المستثمرين يتعاملون بحذر مع هذه الأسهم. لكن هذا الارتفاع يبقى محدودا.

وأكدت وكالة "ستاندارد اند بورز" للتصنيف الائتماني، أن نتيجة الاستفتاء لن تؤثر على علامة الدين السيادي الإيطالي.

وتراجعت أسواق المال في آسيا. وخسرت بورصة طوكيو عند الإغلاق 0.82 في المئة. كما انخفضت بورصتا سيول 0.20 في المئة، وسيدني 0.94 في المئة.

وأغلقت بورصات الصين على انخفاض أيضا. وخسر مؤشر سوق هونغ كونغ 0.26 في المئة، وشينزن 0.78 في المئة، وشنغهاي 1.21 في المئة.

من جهته، قلل حاكم المصرف المركزي الفرنسي فرنسوا فيلوروا دي غالو، الموجود في طوكيو، من أهمية رفض الإصلاحات، مؤكدا انه "لا يمكن مقارنتها" بقرار البريطانيين، الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وقال إن "العالم بشكل عام، وأوروبا خصوصا، شهدا فترة شكوك في 2016: شكوك مرتبطة بأمننا، وشكوك سياسية مع بريكست، وأخيرا فوز دونالد ترامب في الولايات المتحدة".

وأضاف أن "الاستفتاء في إيطاليا يمكن ان يعتبر مصدر شكوك أخرى، لكن لا يمكن مقارنته بالاستفتاء البريطاني".