ايرانيوم
أقل من ستين دقيقة هي مدة الفيلم الوثائقي «إيرانيوم»، الذي عرضته جمعية الفكر الحر للأفلام في مكتبة أوتاوا، بعد أن ألغي العرض الأول تحت تهديد تلقته المكتبة عبر المكالمات الهاتفية والرسائل وتحذير السفارة الإيرانية.المكتبة أبلغت رئيس الجمعية أنها تعتذر عن عرض الفيلم خوفا من ردة الفعل الإيرانية، وعرضت تعويضا ماليا مقابل ذلك الإلغاء.
رفض رئيس الجمعية هذا العرض وأبلغ وزير التراث الكندي السيد جيمس مور بموقف المكتبة الرافض لعرض فيلم وثائقي. تحرك الوزير بسرعة وطلب أن يعلن عن موعد جديد لعرض الفيلم قائلا: لن نسمح للسفارة الإيرانية أن تحدد لنا الفيلم الذي نشاهده والفيلم الذي نرفضه.عرض الفيلم الأسبوع الفائت وكان فيلما وثائقيا عاديا جدا يتناول مواد أرشيفية شاهدها الجميع ومعلومات تاريخية منذ قيام الثورة الايرانية في عام 1979 حتى اللحظة، ويتضمن مقابلات مع مجموعة من الكتّاب والمهتمين بالشأن الايراني وبرنامج إيران النووي. وربما لو لم تتحرك السفارة الإيرانية وتركت الفيلم يعرض لما حقق الفيلم كل هذه الضجة التي صاحبته. ولعل المشاهد القاسية في الفيلم، وهي مشاهد موجودة على «اليوتيوب» وشاهدها كل من يتابع الشأن الايراني، تتمثل في رجم سيدتين اتهمتا بجريمة الزنى واعدام أخريات شنقا، ومشهد مؤثر آخر هو اطلاق النار على ندى أبي سلطان طالبة الموسيقى في الشارع بعد المظاهرات التي تلت انتخاب الرئيس الايراني أحمدي نجاد في يونيو 2009، وهو مشهد تم تناوله بين الكثيرين من متابعي الاعلام الاجتماعي. الأجزاء التي تم تجميعها لتشكل قوام الفيلم لم تكن تثير النظام الايراني من قبل، لكنها كعمل لمدة ساعة أثارت الغضب الإيراني.الآن الفيلم يعرض على شبكة الإنترنت من دون مقابل لكل من يريد مشاهدة فيلم وثائقي عن إيران ولا يعني الفيلم الكثيرين ممن يتابعون الشأن الإيراني، لكنه مهم للمشاهد الغربي وذلك لمدته القصيرة وانحيازه التام لوجهة نظر واحدة. لم يعرض الفيلم رأيا للجانب الإيراني سوى التصريحات التي يطلقها القادة الإيرانيون. أما من الجانب المعارض للنظام الإيراني فهناك عدد لا بأس من المحاورين من مختلف المشارب والإيرانية بالذات، ومنهم «برنارد لويس» الذي يختلف معه أغلب مفكري الشرق وعلى رأسهم إدوارد سعيد، لكن الرجل يطرح نظرية تستحق المتابعة، فهو يرى أن الأمة الإيرانية اليوم تعيش زمنا تعتبره نهاية الزمن وأنها الأمة التي كتب لها القدر الإلهي أن ينتهي بها زمننا الحالي.كان يمكن لي أن أعتبر متابعة الفيلم مضيعة لوقتي لأن المشاهد التي عرضت كلها مكررة وشاهدتها من قبل، لكن عرض الفيلم في هذا الوقت الذي تحتدم فيه ثورة الشباب في القاهرة نبهني الى موقف مشابه، حين قامت الثورة الإيرانية في يوم مشابه من أيام يناير قام بها الشعب الإيراني بمثقفيه اليساريين والوطنيين ورجال الدين.ما حدث بعد ذلك هو اختفاء جميع تلك الوجوه الثائرة من المشهد لتبقى صورة رجل الدين وحيدا يمتلك زمام السلطة دون شريك أو منافس.لا أتمنى لثورة أبناء النيل أن يحدث لها ذلك، بل أتمنى أن يثق شبابها بقدراتهم على قيادة بلدهم، وهو موقف شخصي قد يخالفني فيه الآخر وأحترم اختلافه.