تلاميذ عم حمزة
الكتابة هي أقل فعل ممكن في زمن الفعل. الكلمة أقل ما يمكن أن نهديها إلى الشباب وهم يسجلون تاريخاً جديداً لأمتنا العربية وليس لوطنهم الأم مصر. الذين وقفوا في الميادين مسالمين، لصمتهم هدير رج أركان المعمورة وفغر أفواه المراقبين العرب والدوليين ليؤكدوا أن الأجيال العربية اليوم هي ليست نسخا من الأجيال الماضية والتي تنتظر الوداع الأخير.الأهم في ثورة الشباب أنها جاءت من مصر، مصر قلب ثقافتنا ونبض وعينا الجمعي، مصر الشقيقة الأكبر والأعين التي تتجه نحوها اليوم هي أعين تنظر الى قدرة الشباب العربي على الفعل. والأهم في ثورة الشباب، والتي نتوقع أن تتعرض للسطو والاستحواذ من فئات ركبت الموجة مؤخراً، أنها لم تكن منظمة تحت سقف حزب أو قوة سياسية ولم يقف أمامها رجل له كاريزما خاصة وأجندة خاصة. لم يكن لها بوق إعلامي وقناة فضائية وليس خلفها رجال الأنواط والنياشين العسكرية التي حصدت في زمن السلم.
الذين استغربوا، وأعني هنا معلقي القنوات الغربية، ردة الفعل المصرية ومناقضة ذلك الفعل للشخصية المصرية المسالمة والتي تنساق بطبعها القديم لحاكمها يتجاهلون أو بالأحرى يجهلون جانباً من الثقافة المصرية التي تجرأت كثيراً في السنوات الأخيرة على الكلاسيك الثقافي وتغيرت ملامح المنتج الثقافي الكتابي والسينمائي والأهم هو التغير في التعاطي مع الإعلام الاجتماعي الذي استثمره الشباب كوسيلة اتصال وتواصل وعالم بديل عن قنوات الرئيس وسلطته والسائرين خلف ركابه.تلاميذ عم حمزة الذين شبوا عن الطوق أفادوا كثيرا من سلاح هذا الإعلام وسخروه كمحرك رئيس وبديل عن منشور قديم يطارده مخبر يرتدي معطفا ونظارة سوداء ويحمل جريدة لا يجيد قراءتها. لقد تعامل الشباب مع الفضاء الإلكتروني بحرفية عالية ورغم مطاردة السلطة لبعضهم وتعذيبه فإن حجم التبادل المعلوماتي بينهم كان كبيرا وعملية متابعته ومطاردته أشبه بمطاردة الأشباح. فعندما قتل خالد سعيد على أيدي الشرطة المصرية كان هناك خبر في الصحف الورقية في مقابل 37000 مشترك على موقع الفيس بوك يعلقون على ما حدث.وهي الطريقة نفسها التي اتبعها مستخدمو الإعلام الاجتماعي وهم يحضرون لمسيرة يوم الخامس والعشرين من يناير وقبل أن تدرك وتتدارك السلطات الأمر وتأمر بإغلاق الإنترنت والأجهزة المحمولة. لم يكن بالإمكان تنظيم هذا الحشد الكبير بدون أن يتقن الشباب المصري دور هذه التكنولوجيا وأهميتها في تنظيم مسيرة الآلاف دون دعوة علنية يتبناها أحد بعينه ويدفع ثمنها ربما لوحده.المعضلة التي ستواجهها بقية الأنظمة هي بقاؤها تحت سطوة التخلف القديم واعتقادها بأن تقييد حرية الكاتب ومصادرة كتاب هنا وقصيدة هناك هي الحل الأمثل للردع.فليس بالإمكان العودة الى الوراء وليس لديها القدرة على ايقاف الفضاء الإلكتروني على الأقل لارتباطه بمصالح الدول الغربية واقتصاديتها. وها هي مصر نفسها تتراجع تحت الطلب الغربي وتقرر اعادة الحياة لشبكة الاعلام الاجتماعي وان على مضض.نحن ندرك أن نجاح الشباب المصري سيتبناه أبطال لم يكن لهم دور يذكر ورغم انعدام الخبرة وضعف الامكانات وقدرة الكائن البشري على التحمل فإن خير ما فعله هؤلاء الشباب هو قطع الطريق على أصحاب الاجندات الخاصة من استغلال الموقف.فليست حركة الأخوان المسلمين ولا حزب كفاية أو الغد هو الذي أجج مسيرة الشباب واعتصامهم، وإنما جهدهم ووعيهم وانتفاء الخوف من صدورهم، ولهم حق البداية وحدهم.