نحن شعوب ساذجة تقودنا نخب منافقة. نحن شعوب لا تستطيع النظر إلى وجهها الحقيقي كل صباح لسبب بسيط هو أنها لن تجد ذات الوجه الذي اعتادته وتعودت على طلّته. لا يمكن لنا أن نجد مساحة على الكرة الأرضية إذا أصبحنا نكرر أنفسنا دون أن نتقدم ولو قليلاً إلى الأمام داخل ذواتنا أولاً وإلى الخارج ثانياًَ. الذي يربطنا بالحياة هو ما نحققه لأنفسنا دون أن نفكر في الأثر الذي نتركه بعدنا. نمتلك تاريخاً جميلاً وشخوصاً تتمنى الأمم أن يكونوا جزءاً من تاريخها، ولكننا لا نمتلك سوى حاضر هش تعصف به الأنانية والرغبات الشخصية ومستقبل يتأرجح على ظهر الغيب.

Ad

أنا هنا لا أتحدث عن إنساننا البسيط الذي نطعمه العنصرية وحب الذات وطاعة ولي الأمر ونفطمه على مبدأ الأعرابي «اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً». لا أتحدث عن الإنسان البسيط وهو ليس سوى ناتج طبيعي لفكر مأزوم وثقافة رثة، مستهلكة، مقلّدة، عقيمة وبائسة. يتتلمذ على يد جهابذة الفكر التافه ويحيي كل صباح بدلات عسكرية جوفاء تثير الرعب في طفولته وتؤسس الولاء في شبابه واليأس في شيخوخته. يقتنع كما يوحى إليه أن الكون الذي يدور حوله مقرون بعقلية الزعيم، وأن الأمان الذي يعيشه مرهون ببقاء الزعيم الضرورة، وأن البديل ليس القانون المدني والعقد الاجتماعي وإنما الصراع القبلي والطائفي. لا أتحدث عن هذا الإنسان البسيط الذي أحبه وأغفر له زلاته وخطاياه وإنما أتحدث عن العباقرة الذين جندهم الدكتاتور ليصل هذا الكائن الجميل إلى هذه القناعات.

لماذا ألوم الإنسان البسيط، الذي بدأ حياته الدراسية ببيت شعر يقول «أنت شمس والملوك كواكب» وأنهى حياته الجامعية على يد أستاذ حاصل على جائزة العقيد القذافي وله صورة مع القائد الضرورة صدام حسين، وكان في ضيافة جميع الرتب العسكرية التي حكمت هذا الإنسان البسيط منذ ولادته حتى كهولته. الشعراء الذين يلقون القصائد العصماء على ملايين من الجمهور يلهجون بحب القائد، المفكرون لا يفوتهم مؤتمر يقيمه القائد ويتشرفون بالسلام عليه ويستمعون لتوجيهاته وهو لا يعرف أول الكلام من آخره. حتى أن الدكتور عبدالرزاق عيد في مؤتمر الرواية في الكويت رفض إصدار بيان يطالب القائد الضرورة بإطلاق الأسرى والمرتهنين الكويتيين كي لا يخدش علاقته بالقائد. الفنانون الذين يتابع أخبارهم الإنسان البسيط وينام وهو ممسك بكنترول القنوات يتفرج على «إبداعهم» لا يعرف (زعيمهم) «هو مبارك عمل ايه عشان يتشتم»، ولا يتصور أحمد بدير أن يصبح الصباح دون أن يرى صورة الزعيم خلف مكتبه، وكأن صور الزعماء الذين سبقوه مازالت خلف مكتبه.

وحين تهتز الأرض تحت الزعيم يتحول فجأة من ملهم للثورات وصانع للأمجاد وجالب للغيث والربيع إلى حارس جهنم وخازن النار وحامل مفتاح السجن الكبير الذي كان يسمى وطناً. فينقلب الجميع وأولهم حامل جائزته ورجل اسمه دريد لحام كان يلتقيه في كل زيارة مع زملائه الفنانين للاستماع لتوجيهاته السديدة حول ماهية «الفن الأخضر».

لا ألوم الإنسان البسيط وهو صاحب عقل بشري يتم حشوه كل يوم بهذه الصور وهذه الكلمات والأشعار، ولكنني أقول له هذه المرة إذا ثرت فلتكن ثورتك ثورة رفض لكل هؤلاء المنافقين وأمثالهم، وأنت الآن تعرفهم جيداً. وإذا لم تفعل فتأكد أنك لن تصنع شيئاً. لتكن ثورتك على كتاب اللغة العربية ثم تفرغ لما يليه!