عام 1987 كتبت قصة في مجموعة وليمة القمر حول الجيل الذي تقع عليه مسؤولية النصر، فبعد آخر حرب خاضها العرب مع إسرائيل عام 1973 انقسم العرب إلى فريقين: فريق يرى السلام والركون اليه وفريق يرى الصمود والقتال ولو أدبياً. وأصبح الجيل السبعيني يرى النصر معقوداً على الجيل القادم والقادم يرهنه للجيل الذي يليه حتى جاء عام النكسة الكبرى واختلطت الأوراق بعد اجتياح العراق للكويت والانقسام الحقيقي للأمة العربية.

Ad

بعد الألفية الثانية تبخرت كل الأحلام وانحدرت الحياة الثقافية وسقطت حقول المعرفة والفنون الا من شذرات هنا وهناك لا يمكن أن نطلق عليها مسمى ثقافة حقيقة. سقط المسرح وألحق بالكباريهات الراقصة وانهارت السينما وتصدرت فتيات العري والأفلام الاباحية ساحة الغناء العربي، ولحظتها أعلن اليائسون أمثالي أننا نقع في فجوة خطيرة بين الأجيال أو ما يسمى بـGeneration Gap وهي فجوة ليس لها ما يرتقها وسط الضجيج وضياع الهوية والانجراف التام مع قشور التكنولوجيا التي شكلت عبئا على اقتصادنا وعقولنا.

أصبحت علاقتنا كأجيال متنافرة كلعبة شد الحبل بين جيل ينطلق بأقصى سرعة الى فراغ المستقبل وجيل ينطلق بذات السرعة الى متاهة الماضي. أما البقية فهي متفرجة تحاول أن تحافظ على وسطية ليس لها ملامح حقيقية. ومن حافظ على موقعه منذ ثمانينيات القرن حتى اليوم هو المؤسسة الحاكمة التي ترتدي بزتها العسكرية حينا وترتدي لباسها المدني حينا آخر. فهي مدنية اذا رأت الأمور راكدة ومستتبة وعسكرية حين يلوح خطر ما في الأفق.

أكثر المفكرين عبقرية لم يتخيل أن تأتي الثورة العارمة في الوطن العربي من جيل التكنولوجيا وجماهير المسرح الهابط والأغنية الهابطة وأعداء القراءة والكتاب والفكر المنظم، ولكنها أتت من هؤلاء ولحسن الحظ أنها أتت منهم. فهم ليسوا حزبا يقوم بتصفيتهم حزب مناهض لهم وهم ليسوا عسكرا يبيدهم عسكر مقابل لهم. ولهذا فشلت بدلة الرئيس المدنية في التصدي لهم وفشلت كذلك بزته العسكرية ونياشينه في هزيمتهم.

في المحصلة لم تكن ثقافة الشعب واخلاصه لفكرة الخلاص هي المحرك الرئيسي لثورته قدر ما حركه الجوع وانعدام فرصة العمل وتساوي فرص الحياة والموت. تلك هي الحقيقة التي لم ينتبه لها الرئيس وهو يتبنى سياسة «جوع شعبك يتبعك» ليكتشف فجأة أنها «جوع شعبك يأكلك». الأرصدة التي يكشف عنها بين فترة وأخرى في خزائن الرؤساء كان بإمكانها أن تمنح الشعب، كل الشعب، حياة كريمة لا يحتاج إلى التضحية بحياته للمطالبة بها. فليس من بين هؤلاء الثائرين من يطالب بسلطة بالرغم من أنها حقه الطبيعي وليس من بينهم من يريد ثراء يعادل ثراء الرئيس.

هذه رسالة إلى السادة الحكام والرؤساء الذين مازالوا يمتلكون فرصة الحفاظ على مكاسبهم. انتبهوا لحالة الجوع التي تنتاب قطاعات كبيرة من شعوبكم وادرسوا حالة اليأس التي تدفع بالإنسان لأن يقوم بأي فعل ليعيش، والشعوب تعلم أنكم تملكون الكثير. استمعوا لمن يقول لكم الحقيقة لا الذي يقول لكم دائما ما يظن أنه يرضيكم فهؤلاء أول من ينقلب عليكم. وقديما قال الشاعر العربي: من لا يسوس الحكم يخلعه!