الدكتاتور والادب
لا أدري لماذا كنت أرى الطاغية العراقي صدام حسين في ملامح العقيد معمر القذافي وهو يلقي خطابا كارثيا ودمويا على شعبه، وينعته بأبشع الصفات أقلها كلمة جرذان، بعد أن اعتاد اطلاق لقب الكلاب الضالة على معارضيه السياسيين. هل هو تشابه الاسمين وما يوحيان به من بطش؟ هل هو انحيازهما الكامل ضد الانسانية وعشق البطش والفتك بالعزل ومسلوبي الارادة؟ حين فتك صدام بالحمداني أعز أصدقائه وحلفائه ضد الرئيس البكر قال له قبل قتله: حين يرى الناس أنني قتلت أعز المقربين الي سيعرفون أنني لا أعرف الرحمة.بالرغم من اختلاف الرجلين في الكثير من السياسات فإنهما اتفقا في طريقة اغتيال المقربين المخالفين واعدام كل من يتلمسان فيه بديلا حتى لو كان ابن عم. والقائمة التي سطراها معا تطول ولا مجال لذكرها. واتفقا أيضا في الرغبة بأن يكونا أديبين وهو نقيض لشخصية الدكتاتور القاتل. أصدر صدام رواية زبيبة والملك وثارت شبهات غير مؤكدة حول مساهمة أحد الأدباء في كتابتها ولأنها غير مؤكدة لن أتطرق إليها. وكتب القذافي مجموعة قصصية بعنوان انتحار رائد فضاء اضافة الى كتابه الأخضر الذي فرضه على الشعب الليبي. كتابه الذي قال عنه جعفر النميري بأنه كالبطيخة أخضر من الخارج أحمر من الداخل ولم يدرك نميري أنه في وصفه هذا يمدح الكتاب فالحقيقة هي أن الكتاب كالبطيخة ولكنها بيضاء من الداخل لا طعم لها.
الشهوة الفاشلة نحو تحقيق انجاز أدبي للدكتاتور هي شهوة نحو خلق الزعيم المفكر وهي شهوة تصطدم دائما باللباس العسكري وتناقضه. هي شهوة لا تنسجم وكم المذابح والمقابر التي يحسنها الزعيم الضرورة ويبدع فيها أكثر من ابداعه الأدبي. القذافي كان يحلم بأن يتحول الى أسطورة كأسطورة جيفارا في أميركا اللاتينية وهو الذي استلم السلطة بعد مقتل جيفارا بعامين تقريبا. حاول القذافي أن يرتدي قبعة تميز ثورته ولكنه لم يستطع أن يصنع عقلا مفكرا تحت تلك القبعة، وهو ما فشل فيه صدام حسين أيضا الذي ارتدى أكثر من قبعة دون أن يتغير الفكر العسكري المريض تحت تلك القبعة. بالتأكيد انتبهت الأجيال الحالية في الوطن العربي الى شهوة الخوذة العسكرية وسطوة النياشين التي تزين صدور الطغاة لتثير الرعب فيهم كما أثارته في الأجيال السابقة. ورغم محاولات هذه الزعامات بارتداء الزي المدني بين لحظة وأخرى فإنها لم تتخل عن بزاتها العسكرية. الذي أضافه القذافي وصدام حسين الى الزي المدني هو محاولات الكتابة. بدلات عسكرية بكل الألون ارتداها علي عبدالله صالح والقذافي وزين العابدين وصدام حسين كانت بحاجة لصبي يفعل بها ما فعله بثياب الامبراطور.فجأة يتكشف لمتابع خطابات القذافي ضحالة فكره وسوء عباراته ورداءة خطابه السياسي والأدبي، وكأن الذي حكم البلاد لأكثر من أربعة عقود لم يتعلم حتى من طول التجربة. كلمات جوفاء، شتائم، جمل غير مترابطة وكأنه يقول للشعب لقد ضحكت عليكم أربعين سنة فأنا لم أكن الا أجهلكم.الحقيقة الأدبية تركها لنا ماركيز وهو يتحدث عن جنراله على لسان والدته: لو كنت أعرف أنه سيصبح رئيسا للجمهورية لأرسلته الى المدرسة!